ديفيد هيرست: سنوات حكم أوباما كانت خداعا في غاية القسوة

قال الكاتب البريطاني إن الإرث الذي خلفه الرئيس الأمريكي بعد 8 سنوات من حكمه للبيت الأبيض كان عبارة عن خداع في غاية القسوة.

وقال هيرست في مقاله الذي نشره موقع ميدل إيست آي إن دونالد ترامب لا يعتبر أكبر كابوس في تاريخ أمريكا فحسب لكنه إفراز للأوضاع التي أوجدها أوباما ومن قبله كلينتون وبلير وكاميرون.

ووصف هيرست ترامب بالسائق الذي تنتابه حالة هيجان أثناء القيادة وخلال 48 ساعة فقط ستسقط مفاتيح أقوى عربة في العالم في حضنه وسينطلق بها في أوعر الطرق على الإطلاق مثل الشرق الأوسط والاحتباس الحراري والعلاقة مع الصين.

وأضاف: “الأدهى والأمر أن ترامب لا يعرف أين يتجه بهذه العربة”.

ولفت إلى أنه “مع اقتراب موعد العرض الافتتاحي للرحلة بمسالكها الوعرة بدأ كثير من الناس بالنظر إلى مسيرة أوباما والتي هي عبارة عن مزيج من مشاعر الأسى والحنين”، متسائلا: “لكن فيم الأسى وإلام الحنين”.

وقال هيرست إن فترة أوباما كانت “مصدر قسوة لملايين البشر الذين سمحوا لأنفسهم بتعليق آمالهم وأحلامهم بها وكان أوباما مصدر الخداع فيها بعدما بشر الناس بالأفضل بعد فترة حكم جورج بوش لثمانية أعوام”.

وأشار إلى أن وعود أوباما لم يضعها أحد في فمه بل هو من قالها ووعد العالم الإسلامي بمرحلة جديدة حين خاطب المسلمين من وسط القاهرة ووعد بوقف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وأضاف: “لكن الأيام كشفت أن أوباما لم يكن الفاعل بل كان المفعول به وهو من طرأ عليه تحول حين واجه المتنمرين الإقليميين واختار التنحي جانبا والمراقبة في موقع غير مسبوق في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية وهو الهامش”.

وقال إن سوريا “لم تكن القضية التي يلعنك الناس لو تدخلت فيها وهي نفسها القضية التي يلعنك الناس لو لم تتدخل فيها ولو أن أوباما تعلم شيئا من دروس عقدين من المغامرات العسكرية في الشرق الأوسط لفعل كل ما وسعه لضمان ألا تتدخل لا روسيا ولا إيران”.

وأشار إلى أنه كان لديه الأدوات الكافية لمنع كليهما من التدخل ولكنه لم يلجأ إلى استخدامها إطلاقا، والمشكلة تكمن في أنه تدخل بفعالية لمنع الثوار من الحصول على الأسلحة التي كانوا في أمس الحاجة إليها لوقف البراميل المتفجرة من السقوط فوق رؤوس الناس في المستشفيات والأسواق والمدارس.

واعتبر هيرست أن أوباما كان يسعى لبلورة تركته بعد مقابلته مع جيفري غولدبيرغ في صحيفة ذي أتلانتيك وفق قاعدة “أن الناس سوف تقسو عليك وتذكرك بسوء في الأشياء التي فعلتها في الشرق الأوسط كما حصل مع بوش لكن أوباما كان يقامر بأن الناس سوف تذكره بخير بسبب الأشياء التي لم يفعلها”.

ولفت إلى أن هذا الحديث نشر في شهر أبريل من العام الماضي وفي ديسمبر سقطت حلب الشرقية و”كم تبدو هذه الكلمات مختلفة في مدلولها حين تقرأ الآن”.

وخلص هيرست إلى أن كان أوباما الرئيس الذي انهالت عليه الأوسمة حتى قبل أن يبدأ عمله لم يفلح بتاتا في استحقاق ما كان يكال له من مديح قد يبدو ذلك شديد القسوة على الرجل الذي منح ملايين الأمريكيين تأمينا صحيا والذي كانت لديه الإجابة الصحيحة على “الركود العظيم” لكن أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة كان غير ذي صلة بحياة الأمريكيين السود تماماً كما كانت أول رئيسة وزراء بريطانية غير ذات صلة بالأنثويات البريطانيات.

وقال إن تركة أوباما الحقيقية هي دونالد ترامب وأصحاب التوجه الوسطي مثل أوباما وبيل كلينتون وطوني بلير ودافيد كاميرون لا يجوز لهم التنصل من مسؤوليتهم في خلق الظروف التي انتعش وترعرع فيها الشعبويون اليمينيون أو حتى من يمكن أن يوصفوا بالفاشيين.

واعتبر هيرست أن كلينتون وبوش وأوباما كلهم كانوا “مجرد أدوار عابرة في نفس الدراما وهي سقوط الزعامة الغربية، وما من شك في أن قوى خارجية معينة كانت تمارس دورا ولكننا نشهد بالدرجة الأولى انهيارا داخليا وتهافتا في الأركان التي طالما دعمت الهيمنة الغربية في عالم ما بعد الحرب الباردة”.

وأضاف: “الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحلف الناتو وليس مايكل مور الوحيد الذي يخطط لخوض مائة يوم من المقاومة فهذا ما تنوي فعله السي آي إيه أيضا وهذا ما يحيل تمرد ترامب إلى حدث مثير للاهتمام”.

وقال إنه “على الرغم من كل النوايا الحسنة فإن رئاسة أوباما كان لها دور كبير في هذا الانهيار”.

وأفرد هيرست جزءا من مقالته للحديث عن ما أسماه بالممثل الآخر وهو الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وعدد من توجهاته في عدة ملفات.

فعلى صعيد العلاقة مع إسرائيل، قال هيرست إن ترامب عين ديفيد فريدمان سفيرا في تل أبيب وهو معروف بدعمه للمستوطنات الإسرائيلي ومدافع عن ضم الضفة الغربية ومشكك بمواطنة فلسطينيين عام 1948.

ولفت إلى أن ترامب عارض قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالمستوطنات كما عارض مؤتمر باريس للسلام نزولا عند رغبة صهره جاريد كوشنير والذي يعتنق الديانة اليهودية.

ووصف خطوات ترامب بأنها “تموضع على يمين بنيامين نتنياهو وعلى نفس الأرضية التي يقف عليها نفتالي بينيت زعيم البيت اليهودي وأحد أكثر الوزارة الإسرائيليين تطرفا الذي يعتقد بأن الرئيس الجديد للولايات المتحدة سوف يدفن الدولة الفلسطينية حيث أن تلك هي النتيجة الحتمية لرغبة ترامب المعلنة في نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس”.

ورأى أن إسرائيل أصبح بإمكانها أن ترى الضوء الأخضر الذي يسمح لها بضم مناطق (ج) في الضفة الغربية والاستمرار في عمليات “تطهير” الدولة اليهودية من غير اليهود وبالمحصلة تعود “تقليعة التطهير العرقي” بعد أن سمح للأسد والإيرانيين بالإفلات من العقاب على جرائم التطهير العرقي في داريا وحلب ومنح الشعور لإسرائيل أن تفعل ذات الشيء.

ورأى أن واحدة من الإجراءات المشار إليها أعلاه كفيلة وحدها إذا ما اتخذت بأن تفجر انتفاضة ثالثة.

وعلى صعيد الملف السوري قال هيرست إن جواب ترامب يتمثل في المناطق الأمنية والتي ينوي حمل دول الخليج على دفع تكاليفها. بينما تعلق أوباما بخطاب تدور مفرداته حول قضايا حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية.

وفي العلاقة مع زعماء الشرق الأوسط قال إن ترامب لم يكن محرجا في الصدع جهارا نهارا بدعمه للطواغيت من أمثال السيسي لن تكتفي إدارته بدعم “الطواغيت” بل سوف تستمع إليهم أيضاً.

ولفت إلى شهادة ريكس تيلرسون الرئيس السابق لشركة إكسون موبيل ومرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية حين حذر ملاحظاته الافتتاحية بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون صريحة وصادقة تجاه التعامل مع الإسلام الراديكالي، وأنه حالما تتم هزيمة تنظيم الدولة فسوف تنتقل الولايات المتحدة للتعامل مع المجموعات الإسلامية “الراديكالية” الأخرى والتي ذكر من ضمنها كلاً من القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين.

وأشار هيرست إلى أن إضافة جماعة الإخوان المسلمين إلى قائمة تيلرسون لقوى الإسلام الراديكالي لم تكن زلة لسان من قبله فقد كان وليد فارس المسيحي الماروني اللبناني ومستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط قال بأن الرئيس الجديد ينوي حظر الجماعة.

وقال إن لفارس “تاريخ أسود فهو الذي دعم المليشيات اللبنانية اليمينية المتطرفة التي ارتكبت جرائم حرب أثناء الحرب الأهلية في لبنان وحينما انضم إلى حملة ترامب الانتخابية صدر بحقه إعلان إدانة وتنديد من قبل اللجنة العربية الأمريكية ضد التمييز”.

وقال إن أمام الكونغرس الآن مشروع قانون لحظر الجماعة باسم قانون تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية وهو القانون الذي رفض أوباما التوقيع عليه إذا ما وقع ترامب على القانون فإنه بذلك سيدفع بملايين الإسلاميين ممن يشكلون أكبر حزب سياسي له وجود في معظم البلدان العربية إلى حضن القاعدة.

وأضاف: “سيمنح ترامب القاعدة أعظم أعطية كانت تحلم بها تفوق بمراحل ما قدمه لها السيسي من خلال انقلابه العسكري الذي نجم عنه تحول أعداد كبيرة من الشباب المحبط إلى صفوفها”.

واعتبر أن مشروع القانون الذي ينظر فيه الكونغرس جاء نتيجة لضغط سياسي مكثف مارسته دولة الإمارات العربية المتحدة والتي ماتزال مسكونة لدرجة الهوس بجماعة الإخوان المسلمين.

وأشار إلى أن حلقة الوصل بين ترامب والإمارات رجل الأعمال حسين سجواني رئيس شركة داماك للعقارات في دبي والتي أبرمت مع ترامب صفقتين لإنشاء منتجعين للجولف في دبي وكان ترامب في أول مؤتمر صحفي له بعد انتخابه قد قال إنه تلقى عرضا بملياري دولار أمريكي في دبي من قبل “رجل مدهش جدا جدا رجل أعمال عظيم في قطاع الاستثمارات العقارية في الشرق الأوسط ثم قال إنه رفض العرض، ثم قال مراراً وتكراراً إنه لم يكن مضطرا لذلك”.

ورأى هيرست أنه ليس صحيحا أن ترامب يدخل البيت الأبيض ككم غير معروف بل إن بطاقته التعريفية في الشرق الأوسط دمغت من قبل إسرائيل وروسيا والإمارات قبل مصر بالإضافة إلى جميع الأنظمة التي تقاتل في سبيل قمع وإخماد القوى التي على يديها ستنظم الانتخابات الحرة وستأتي بالنزاهة والديمقراطية لحكومات الشرق الأوسط.

وختم مقاله بالقول: “ليس بالإنجاز البسيط أن يتمكن رئيس منتخب من جعل المجموعة الخامسة من مسلسل هاوس أوف كاردز تبدو بلا حاجة هذا ما أنجزه فعلا هذا الترامب، اربطوا الأحزمة جيدا فسوف تكون الرحلة مليئة بالمطبات”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here