مرتكزات ومصادر الارهاب في العراق وكيفية مواجهته

فلاح علي

ان المتابع لمجريات تطور الاحداث في العراق في السنوات الاخيرة يلاحظ  بروز عدد من الظواهر من ابرزها اولاً : ظاهرة الطائفية السياسية وهيمنة الفكر الطائفي المتطرف في الدولة والمجتمع وما نتج عن ذلك من سيادة سياسة الهيمنة والاستبداد والتهميش والالغاء ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وغياب مبدأ المواطنة . ثانياً : ظاهرة تعقد الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والاضرار الناتجة عنها. وثالثاً : بروز ظاهرة الزعامات من هذه الطوائف والاثنيات واصبحوا الاكثر نفوذاً في الدولة والمجتمع وهالة الغطرسة تحيط بهم ويحتكرون صنع القرار ويدعون انهم يمتلكون الحقيقة هم بعينهم ويعبرون عنها ولا يعرف الشعب من خول هؤلاء دون غيرهم بامتلاك الحقيقة . بلا شك هنالك ظواهر عديدة في المشهد السياسي لكن بمجموعها اسهمت في تهيئة بيئة ملائمة لأنتشار الفساد واحتكار السلطة وما نتج ذلك من ممارسات ضارة ساعدت على تهيئة حاضنة اجتماعية للتطرف والارهاب  بكل انواعه وبالذات ارهاب داعش واخواتها مما ادى الى احتلال مدن وممارسة اعمال  ابادة وقتل واشاعة الرعب والخوف , ورغم انها على طريق الانهزام والاندحار التام لكن الارهاب في العراق اصبح بنية تكونت له بيئه ملائمة وحاضنة اجتماعية اوجدتها وغذتها مجموعة من المرتكزات وهذا حصل ويحصل في ظل غياب المجتمع المدني والقوانين الديمقراطية .

اذن ما هي مرتكزات او عوامل نمو الارهاب بكل انواعه :

1- تنامي الفكر الطائفي المتطرف الذي يعرف على ارض الواقع بانه يشيع الكراهية والحقد والانتقام والتهميش والغاء الآخر داخل المجتمع ,بدل من التسامح والاعتدال والاعتراف بحقوق الآخرين واللجوء الى التعايش ويتسم هذا الفكربعدم فهم الواقع وعادتاً يلجئ الى القراءة المتطرفة ذات الاجندات المعادية لحقوق الانسان وحرياته . الفكر المتطرف يعتبر من اهم مرتكزات ومصادر نمو الارهاب لا سيما في ظروف غياب المؤسسات الديمقراطية .وعند افساح المجال له في امتلاك وسائل اعلام خاصة مع غياب رقابة الدولة لنشر فكره بوسائل اعلام جماهيرية وسيطرته على الخطب في الجوامع حيث انها منابر تساعد الفكر الاسلامي المتطرف في الانتشار في المجتمع . في حين نجد ان الاديان وتجارب الشعوب تؤكد على  ان المؤمن الحقيقي هو من يعمل على تخليص الناس من التطرف والارهاب والخوف ويعمل على اشاعة روح التسامح , هذا السلوك هو الذي يخلصنا من التطرف و الارهاب , ولا بد من انهاء مفاهيم التكفير وامثالها ان من يحاسب الناس هو خالقهم ولا وصاية لأحد على احد . ان نشر الثقافة الديمقراطية التي تشيع الثقة والطمأنينة والتسامح وتعزز السلم الاهلي في المجتمع وانهاء الهيمنة والتهميش والالغاء هو الرد الحقيقي لمواجهة الثقافة المتطرفة التي تنتج الارهاب.

2- غياب الدولة المدنية الديمقراطية : توصلت شعوب العالم الثالث ومنها شعبنا العراقي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى ضرورة اقامة مجتمع مدني ودولة وطنية ديمقراطية ونهضت حركات التحرر الوطني بهذه المهمة وظهر تضامن عالمي واسع مع حركات التحرر الوطني .فعلى صعيد العراق خاض الشعب العراقي وقواه الوطنية والديمقراطية والليبرالية نضال جماهيري سلمي واسع وقدم تضحيات جسام على طريق الخلاص من السيطرة الاستعمارية وبناء الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية , لكن انقلاب عام 1963 الفاشي المدعوم امريكياً أعاق بناء هذه الدولة المنشودة واشاع الانقلابيون الفاشيون العنف والارهاب والقتل في المجتمع ومصادرة الحقوق والحريات واغاء الآخر . وفتحوا ابواب العراق نحو افكار التطرف المعادية للديمقراطية ولرعاتهم من الدول الاستعمارية وانهى الانقلابيون التراكمات النضالية الجماهيرية لشعبنا العراقي وقواه الوطنية والديمقراطية واليسارية من الوصول الى اهدافها في تحقيق المشروع الوطني الديمقراطي وضمن الانقلاب مصالح اعداء الوطن والقوى الامبريالية . ثم عاود الدكتاتور المقبور نهجه في نشر الفكر المتطرف السلفي الارهابي في اوائل تسعينات القرن الماضي حيث دعا لحملة ايمانية زائفة فتح من خلالها ابواب البلد على الفكر الوهابي المتطرف واوجد له مرتكزات في المجتمع , وكانت هذه نقطة الارتكاز الاساسية لفشل بناء مجتمع مدني و دولة وطنية ديمقراطية حديثة. واشيع الفساد وغابت التنمية وهيمن الاستبداد في الدولة والمجتمع وتم مصادرة الحقوق والحريات. هذه الاساليب مارسها الحكام منذ ذلك التاريخ والضحية دائماً الوطن وجماهير الشعب والفئات الفقيرة في المجتمع ,لا سيما في ظل الظروفالتي تتفاقم فيها الازمات وانسداد افق التغيير تصبح هذه الامور عوامل مساعدة لنمو الافكار المتطرفة  وتصبح هذه الفئات الفقيرة والبلد فريسة لهذه الافكار المتطرفة بدلاً من ان يكون مكانها الطبيعي هو في التغيير .ان بناء دولة المواطنة الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية , تعتبر الاهم في انهاء التطرف والارهاب وانهاء كل مرتكزاته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية التي ينمو فيها .

3- الغزو والاحتلال : سقط النظام الدكتاتوري من خلال الحرب والتدخل الخارجي وهذا الخيارشكل عامل مساعد لنمو الارهاب والتطرف في العراق , الاحتلال اسس لبنية التبعية له ولسياساته كما اسس لبنية التدخلات والتبعية لدول اقليمية وفتحت ابواب العراق امام التدخلات الدولية والاجندات الاقليمية , وما رافق ذلك من غياب عمليات التنمية ونهب ثروات البلد واشاعة الفساد وغياب القوانين الديمقراطية التي تضمن الحقوق والحريات .الاحتلال فرض نوع من الحماية المفتعلة , لكن تم اثارة الصراعات الداخلية والحرب الاهلية وتمزيق النسيج الاجتماعي وغياب السلم الاجتماعي واشيع الانتقام والعنف والاستئثار والهيمنة والاستبداد والتهميش والغاء الآخروسيادة الخطاب السياسي الطائفي, ومع تنامي هذه الظواهر المدمرة في المشهد السياسي , نجد ان مصالح قوى الاحتلال والقوى الاقليمية التقت بنقطة واحدة وهي المحافظة على نظام المحاصصة الطائفية والاثنية الذي تم انتاجه من قبلهم . وعدم تغييره ولا بد من الاشارة هنا الى ان الهيمنة الامبريالية التي جاءت من خلال الحرب والغزو هي في ظل العولمة الراسمالية المتوحشة وما تحمله من فوضى خلاقة حيث الشعب والوطن دفعا ثمن هذه الفوضى واصبحا وقود لها .هذا العامل هيئ بيئة ملائمة وحاضنة اجتماعية لللأحساس بالمظلومية ولنمو التطرف الذى غذا الارهاب كما سمح هذا الوضع الى ربط الاقتصاد بالتبعية لاقتصاد العولمة وشركاتها الاحتكارية ولصندوق النقد الدولي , وهذا هو مايسمح للغرب وشركاته الاحتكارية والدول الاقليمية بالتدخل الدائم في شؤون البلد الداخلية.

4-المحاصصة الطائفية والاثنية :المحاصصة اوجدت سلطة طائفية مهيمنه استئثارية لا ديمقراطية انتجت ازمات معقدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية وغابت التنمية وبقت الارياف متخلفة ان القوى التي سيطرت على السلطة ليس لديها مشروع ديمقراطي فوجد فراغ بينها وبين الجماهير الشعبية ولغياب مبدأ المواطنة والقوانين الديمقراطية ومحاربة الفكر الديمقراطي فقد ملئ الفراغ الفكر المتطرف والجماعات المتطرفة الارهابية . بل دفع هذا الوضع الناجم عن الاستئثار الطائفي الى توظيفة من قبل الاصوليين الاسلاميين والسلفيون والوهابيون وكل المتطرفون مستغلين بذلك في حملتهم الاعلامية من مفهوم ما يسموه بالمظلومية التي تتعرض لها الطوائف الاخرى مع فتح ابواب الدعم الاقليمي الخارجي  حيث وضعت اموال النفط السعودية والقطرية تحت تصرفهم فتم انتاج داعش واخواتها , واطلقوا مقولتهم في العراق وسورية من لم يعمل على رد الظلم فهو ظالم وخارج عن الدين الصحيح . بلا شك الحركات الاسلامية المتطرفة نمت وانتشرت تحت رعاية امريكية منذ تجربة افغانستان وظهور القاعدة الى داعش وجبهة النصره واخواتهما مع تقديم دعم لوجستي تركي واسرائيلي لهذه الحركات المتطرفة , وتبع هذه الخطوة حسب ما سمته الحركات المتطرفة برد الظلم واعلان الجهاد ومارسوا فيه القتل واراقة الدماء من خلال الذبح واحتلال مدن ويبقى مثل هؤلاء شواذ وارهابيون , لكن المطلوب من الطائفة التي تمثل الاكثرية ان تعمل على انهاء تحالفها الطائفي  وتفكيكة واقامة تحالفات وطنية وان تقف موقف المتسامح وتتبنا مبدأ المواطنة وضمان الحقوق والحريات الديمقراطية ورفض العنف والتهميش والالغاء والابتعاد عن الخطاب السياسي الطائفي  . ان قيادات او زعامات نظام المحاصصة اساءت الى الشعب والوطن ووضعتهما تحت وصاية التدخلات الدولية والاقليمية, ووقفت بالضد من بناء الدولة المدنية الديمقراطية , ووضعت مصالحها فوق مصالح الشعب والوطن .

الاستنتاجات :

1- لاجل مواجهة الارهاب وانهائه في المجتمع يشترط قراءة الواقع ومعرفة المرتكزات والعوامل التي استند ولا يزال يستند عليها الارهاب في تصاعده في المجتمع . وتفكيك هذه المرتكزات وتجفيف منابع او مصادر الارهاب على كافة الصعد و القضاء عليها , من خلال التشريعات القانونية الديمقراطية. واحداث التغيير بحزمة اجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية ذات محتوى ديمقراطي .

2- ان كل من يعتقد ان نظام المحاصصة الطائفية والاثنية قادر على حل ازمات البلد فهو واهم . الواقع يؤكد انه لا مصلحة للجماهير الشعبية بنظام المحاصصة الطائفية الذي سبب هذه الازمات وهذه الانقسامات وعرض البلد والشعب لمخاطر . وان هذا النظام أدى الى زعزعة الاستقرار في البلد والمنطقة وشكل خطر على السلم الاجتماعي .وهيئ ارضية لنمو الفساد والارهاب .

3- المواجهة الجماهيرية السلمية لأنتزاع الحقوق والحريات من نظام المحاصصة الطائفية والاثنية هي القوة الجماهيرية المعول عليها , اليوم العراق يشهد تنامي هذه القوة الجماهيرية المتمثلة بالحراك الجماهيري , اتساعه وزيادة فاعليته وضغطة واقامة تحالفات شعبية واسعة على صعيد القاعدة الجماهيرية وتحالف مدني ديمقراطي يساري هو القادر على احداث التغيير. لهذا نجد ان قوى المحاصصة الطائفية والاثنية تخشى من تواصل واتساع الحراك الجماهيري لأنه يشكل خطر على مصالحها .

4- في العراق توجد سلطة المحاصصة الطائفية والاثنية ولكن لا توجد دولة مستكملة مقوماتها او شروطها , صحيح توجد سلطات ثلاث ويمتلكون الصلاحيات والقوة , الا ان هذه القوة تقمع الافكار النيره والديمقراطية واليسارية وتنتهك الحقوق والحريات وتشجع على الولاءات و نمو الانتهازية في وسط المجتمع وذلك لغياب القوانين الديمقراطية والعدالة والمساواة, ان المهمة الاساسية هو في استكمال مهام بناء الدولة لأن الطريق نحو المجتمع المدني يمر عبربناء دولة مدنية ديمقراطية . السلطة تذهب وتتبدل بينما الدولة تبقى في مؤسساتها وادواتها وبقضائها المستقل الدولة المدنية الديمقراطية هي الضامن الوحيد لوجود المجتمع المدني . ولا يمكن الفصل بين هذين الاتجاهيين وهذا ما تؤكده التجربة التاريخية للشعوب ان انتصار المشروع الديمقراطي يتطلب السير باتجاه هذه الوجهة وتحقيق العدالة الاجتماعية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here