تعريف الدخل والثروة في اقتصاد السوق

محمد رضا عباس

هناك عدد من التعاريف بخصوص الدخل (راتب , أجور , اتعاب ) , ولكنها جميعها تشترك بمشترك  واحدة وهو مفهوم سيولة (flow) , بمعني ان الدخل  له بداية ونهاية او هو شيء يمكن قياسه خلال فترة زمنية معينة , يوميا , أسبوعيا , شهريا, او سنويا . على سبيل المثال , دخل عامل البناء هو اجوره اليومية ودخل الموظف الحكومي او الأهلي هي عدد الدنانير التي يستلمها في نهاية كل شهر من رب العمل .

من جهة أخرى , الدخل الوطني ,هو الاخر مفهوم سيولة ولكنه يشمل الدخل السنوي لجميع مكونات الوطن في الداخل ( محليين وأجانب) خلال فترة زمنية واحدة , عادة سنة واحدة .  الدخل الوطني او الإنتاج المحلي يشمل دخل العمال (يشمل كل العاملين في الاقتصاد الوطني بغض النظر عن حرفتهم سواء كان جراح امراض دماغية او فلاح , عامل بناء او ملاح فضائي ) . إيجارات الأبنية , ويشمل الدخل المتحقق لأصحاب العقارات من افراد وشركات . الفوائد على القروض المستحقة على المقترضين سواء كانوا افراد او شركات او الفوائد المستلمة من قبل أصحاب الادخارات السنوية. وأرباح الشركات السنوية سواء هذه الشركات هي مملوكة من قبل اشخاص او مجموع من الأشخاص. ان مجموع هذه الدخول الأربعة هو الذي يشكل الدخل الوطني للبلاد.  من خلال هذا الدخل يمكن قياس عافية الاقتصاد الوطني اما مقارنة مع السنوات الماضية (نسبة النمو والذي يمكن ان يكون موجبا او سالبا) , كما يمكن مقارنته مع دخول الدول الأخرى لمعرفة مكانة الاقتصاد الوطني بين الدول . على سبيل المثال , عن طريق المقارنة نستطيع ان نقول ان اقتصاد الولايات المتحدة الامريكية هو الأول في العالم , بينما العراق هو 45 في العالم.

طريقة أخرى لاحتساب الدخل الوطني وذلك عن طريق احتساب مجموع السلع والخدمات المنتجة خلال السنة الواحدة في حدود البلد الجغرافية.  وهذا يشمل على سبيل المثال , عدد السيارات والطائرات المنتجة , كمية الحنطة والشعير المنتجة خلال العام , وقيمة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين , وهكذا فان هذه القائمة  تشمل  ملايين من السلع والخدمات المنتجة في البلد خلال عام واحد . وحتى يمكن معرفة قيمة هذا الإنتاج , يتم تسعير جميع السلع والخدمات بالعملة الوطنية او بعملة أخرى . وهكذا نقول ان مجموع السلع والخدمات المنتجة في الولايات المتحدة الامريكية كانت 18,561,930 مليون دولار عام 2016, بينما كانت مجموع السلع والخدمات المنتجة في العراق هو 156,323 مليون دولار  في نفس العام .

الثروة , من جهة أخرى , هو مفهوم اختزان ( stock ) . ثروة المواطن تشمل كمية النقد التي يمتلكها سواء كانت هذه على شكل نقود محفوظة تحت الفراش او في بنك او على شكل اسهم شركات او سندات حكومية , أراضي وعقارات ,  مواد مخزونة في المخازن التجارية , او الخبرة والدرجة العلمية التي يحملها المواطن في فترة معينة . وعليه فان مفهوم الثروة قد تكون ملموسة (نقد في اليد على سبيل المثال) او غير ملموسة (خبرات المهندسين , الرسامين , الممثلين , المغنيين, الأطباء , و خطباء المنابر) .

وعليه فان الثروة , على العكس من الدخل , للفرد تشمل ما يملكه من نقد وعقارات و بضائع مكدسة في المخازن في فترة زمنية محددة , في يوما ما او في سنة ما , بينما ثروة الشركات تشمل حجم الموجودات الثابتة , المكائن والآلات , والمواد المصنعة والنصف المصنعة والتي لم ترسل بعد الى الأسواق إضافة الى المواد الأولية تحت ملكية الشركة . اما الثروة بالنسبة للوطن ككل فأنها تشمل الموارد الطبيعية والحجم السكاني في سنة معينة. وعليه فان الإنتاج الوطني او الدخل الوطني هو اقل من الثروة الوطنية. الإنتاج الوطني العراقي بلغ 156,323 دولارا عام 2016 , ولكن ثروة البلاد تفوق الإنتاج الوطني بألاف المرات . او بكلام اخر , من الممكن قياس الإنتاج الوطني ولكن من غير الممكن قياس حجم ثروة البلاد . من يستطع قياس قيمة الهواء الطلق الذي نستنشقه من على جبال كردستان ؟  ومن يستطع تقييم زيارة محب للأمام الحسين في كربلاء او الشيخ عبد القادر الكيلاني في بغداد ؟ ومن يستطع تسعير زيارة موقع أثرى في الناصرية او في أربيل او في الموصل؟ ومن يستطع تقييم فائدة ماء دجلة والفرات , بحيرة دوكان او الحبانية ؟ ومن يستطع تقييم جلسة عائلية في منتزه الزوراء؟

من هو مضطلع بحسابات الشركات السنوية , فان هذه الحسابات تعتبر مثالا واضحا عن  الدخل والثروة , فحساب الربح والخسارة والتي تعده الشركات في نهاية كل عام يعتبر نموذجا للدخل . في هذا الحساب تدرج الشركات جميع مصاريفها و مبيعاتها , والفرق هو اما الربح او الخسارة . اما ميزانية الشركة فتعتبر قائمة او ملخص ما لدى الشركة من ثروة: نقد تحت اليد , مكائن والآت , ابنية , و مواد مصنعة , وودائع لدى البنوك او استثمارات في اسهم وسندات.

هناك فرق اخر بين الدخل والثروة وهو ان من الممكن ان يتجدد الدخل , ولكن  لا تتجدد للثروة. العاطل عن العمل قد يخسر دخله خلال فترة عطله , ولكن من الممكن ارجاعه بعد ان يلتحق الى عمله مرة ثانية . ولكن انتاج واستهلاك مليون برميل من النفط يعني نقص في احتياطي النفط بحجم مليون برميل , ولا يمكن انتاجه مرة ثانية. النوع الثاني من الثروة من الممكن إعادة انتاجها ولكن على حساب انتاج بضاعة اخرى. على سبيل المثال , المكائن والآلات والابنية تعتبر ثروة وطنية ولكنها قابلة للاندثار , ومن اجل تجديدها يتطلب استخدام جزء من الإنتاج الوطني لهذا الغرض , وهذا ما يسمى في مفهوم الاقتصاد ” الاستثمار” وهو حجم المصاريف السنوية على الأبنية الجديدة بكل أنواعها وشراء الآلات والمكائن الإنتاجية.

العراق يستهلك من الثروة الوطنية (النفط) بما لا يقل عن 3.5 مليون برميل في اليوم الواحد , ولكن بكل اسف , لم يستطع خلق ثروة جديدة معادلة لما يخسره من ثروات نفطية طيلة الثمانين عاما الماضية , وبذلك ان ما يجري في العراق هو مخالفة اقتصادية لا يمكن الاستمرار عليها . النظرية الاقتصادية تقول ان استهلاك كل برميل نفط يستهلك يجب ان يكون مقابله استثمارا بقيمة هذا البرميل من النفط. لم يحدث هذا في العراق , حيث ان أموال صادرات النفط تذهب الى الميزانيات التشغيلية والى الاستيرادات . وعليه , بدلا من بناء شارع عام من ثمان خطوط بين البصرة وبغداد لتسهيل نقل الحمولات التجارية , الدولة تصرف الواردات النفطية على رواتب الموظفين , استيرادات دجاج ولحوم , وفاكهة وخضر , و على الحروب . وهكذا عندما جاء التغيير السياسي في العراق كان العراق متخلفا اقتصاديا حتى مقارنة مع أفقر دولة مجاورة للعراق. نامل من القيادة الجديدة الانتباه الى هذا الخلل ,حتى يأخذ العراق مكانته الطبيعية بين الأمم المتحضرة . من غير المعقول ان لا يكون للعراق معلم حضاري جديد خلال النصف قرن الماضي وهو مهد الحضارات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here