الاحكام الغيابية شهادات نجاح للفاسدين

لايكاد يمر اسبوعاً دون اصدارالمحاكم العراقية حكماً (غيابياً) على أحد لصوص المال العام في العراق، ضمن مسلسل مستمرمنذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق، يكشف بوضوح ضعف وتخلف اداء المؤسسات الادارية والتنفيذية المسؤولة عن ادارة البلاد، وضعف كفاءة قياداتها، وتداخل اختصاصاتها المفضي الى عرقلة تنفيذ القوانين، وكأن كل ذلك مخطط له وينفذ خدمة لمصالح الفاسدين على حساب المصلحة العامة .
الاعداد الهائلة من الاحكام الغيابية في العراق خلال العشرة أعوام الماضية، تتجاوزمثيلاتها في كل دول العالم مجتمعة، وهي فضيحة مدوية لاتستطيع مراكز القرار العراقي تبريرها، ناهيك عن تقاعسها في وضع حلول عملية للحد منها، حتى تحولت الى (ظاهرة) عراقية بامتياز .
المفارقة المثيرة للتساؤل، وجود هيأة للنزاهة، ودوائرالمفتش العام في الوزارات ولجنة النزاهة النيابية، التي يفترض انها تراقب اداء المؤسسات والافراد، للحد من انشطة التجاوز على المال العام، وعلى الرغم من ذلك لازالت (برامج) اللصوص تتفوق على اجراءات هذه الجهات مجتمعة .
هذا السباق (الصراع) بين اللصوص والدوائر الرقابية الرسمية يتحكم به عاملان، الاول هو تخلف السياقات والاساليب الادارية في متابعة وكشف ملفات الفساد، تمهيداً لالقاء القبض على المتهمين وتقديمهم للمحاكم قبل هروبهم، والثاني ( وهو الاهم) التغطية السياسية لهؤلاء من قبل مراكز القوى التي أنتجتها المحاصصة الطائفية، باعتبارهم مختارين من قبلها لشغل المناصب التي تتحكم في قرارات الصرف في المؤسسات الحكومية، لتكون النتيجة لصالح اللصوص، ينفذون جرائمهم ويغادرون العراق بتوقيتات واساليب مدروسة بدقة من قبل مشغّليهم ..!.
وفي الوقت الذي تتفاوض فيه الحكومة العراقية مع جهات دولية للحصول على قروض بشروط قاسية، تصب في خدمة مخططات الهيمنة على البلاد وثرواتها، لازال لصوص المال العام يتمتعون بالحرية في البلدان التي هربوا اليها، ومنها البلدان التي تدعي وقوفها مع العراق لتجاوز ازماته، ناهيك عن المصاريف التشغيلية للطبقة الحاكمة ومنافعها المالية التي انهكت الميزانية العامة للدولة، فيما تلاحق القرارات الحكومية فئات الشعب الاكثر فقراً بالاستقطاعات الشهرية دعماً للمعركة ضد الارهاب، كأنها معركة الشعب دون قياداته !.
ان قراءة في أحدث حكم غيابي منشور على الموقع الاكتروني لهيأة النزاهة يوم الثلاثاء الماضي (الثاني من آيار الجاري)، تقدم مثالاً على ذلك، فقد اصدرت محكمة النزاهة حكماً (غيابياً) على موظفين (اثنين) في امانة بغداد، ارتكبا مخالفات في العقد الخاص بـ (تطويرشارع الرشيد)،ادت الى احداث ضرربالمال العام بلغت قيمته أكثرمن (ثلاثة مليارات وسبعمائة مليون ديناراً عراقياً)، لكن الأهم في هذا الحكم ليس ضخامة المبلغ المهدورفقط، انما اعلان دائرة التحقيقات في هيأة النزاهة، أن هذه القضية تعود الى عام 2008 ، اي أن الحكم فيها صدر بعد (9) تسعة أعوام ..!!، واذا كان المبلغ المختلس بهذا الحجم، كم هو المبلغ الكلي المرصود لتطوير شارع الرشيد؟، وأين هو التطوير أصلاً ..؟!.
ان هذا الحكم الغيابي يمثل شهادة نجاح للفاسدين، اكثر منه عقوبةً لهم، وعليه يكون من حقهم الهتاف باعلى اصواتهم، تحيا الاحكام الغيابية ويحيا الفساد في العراق ..!.
علي فهد ياسين
نص الحكم الغيابي المشار اليه اعلاه
http://nazaha.iq/body.asp?field=news_arabic&id=4060

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here