ما أهمية النمو الاقتصادي للبلد وللمواطن؟

محمد رضا عباس
من حق المواطن في الدول النامية , ومنها العراق , ان يتتبع الاخبار الاقتصادية والحالة الاقتصادية لبلده , لان حالة الاقتصاد تأثر تأثيرا مباشرا  على حياة المواطن المعاشية. عندما يمر الاقتصاد الوطني في مرحلة الركود الاقتصادي , يخسر الكثير من الطبقة العاملة أعمالهم وتنضب فرص العمل الجديدة للأخرين ويقل الدخل ويصعب على رب العمل تحقيق ما تحتاجه عائلته . مع كل الأسف , فان معظم الدول النامية يعيش سكانها في ظروف اقتصادية صعبة قريبة من الركود الاقتصادي , الى درجة ان المواطن لا يشعر بالتحسن المعاشي سنة بعد أخرى . بالمقابل , يتمتع سكان البلدان الصناعية او التي تسمى في بعض الأوقات بالدول  المتقدمة بحياة مترفة , حيث ان الركود الاقتصادي الذي يزورهم في فترات متقطعة يكون في العادة زائرا خفيف الظل يستمر لفترة اقل من سنة , وبعد رحيلة يبدأ  اقتصاد هذه الدول بالنمو مرة ثانية , ومعه يرتفع المستوى المعاشي للسكان .
النمو الاقتصادي هدف جميع الحكومات. ارتفاع الإنتاج الوطني نسبة الى الزيادة السكانية ينتج عنه زيادة في الأجور والدخول الحقيقية وارتفاع مستوى المعاشي للسكان. النمو الاقتصادي يعطي الفرصة للحكومات على الاستجابة الى حاجات مواطنيها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ارتفاع الأجور والدخول يعطي الفرصة للمواطنين التمتع بحياة أكثر رفاه من أخيه المواطن المبتلى اقتصاد يلاده بالتراجع او الخمول. المواطن في الاقتصاد المزدهر يستطيع التمتع بالسفرات الترفيهية داخل وخارج بلدة , شراء أجهزة كهربائية والكترونية لبيته بحرية اكبر , الصرف على الرعاية الصحية , والتردد على المؤسسات الثقافية والاجتماعية .  النمو الاقتصادي يسمح للدولة حماية البيئة , تبني وتشجيع الفنون بكل أنواعها , توفير الامن والاستقرار للمواطنين , وتشجع على التنوع . باختصار , فان النمو الاقتصادي يقلل الحرمان على المواطنين , بل يزيد من تمتعه بما توفره الحياة له من متع العيش دون التأثير السلبي على مستواه المعاشي الراقي في المستقبل . النمو الاقتصادي يضمن العيش الكريم في الحاضر والمستقبل.
قياس النمو الاقتصادي للأمم يتم بطريقتين. الأولى من خلال قياس الزيادة الحقيقية في الإنتاج خلال فترة زمنية معينة. على سبيل المثال , لو كان الإنتاج الحقيقي لبلد معين هو 800 مليار دولارا عام 2015 , بينما وصل الإنتاج الحقيقي الى 855 مليار دولار عام 2016 , وعليه فان النمو الاقتصادي الحقيقي لهذا البلد عام 2016 هو ما يقارب 7% . الطريقة الثانية هي من خلال احتساب الزيادة في دخل المواطن الحقيقي خلال فترة معينة , عادة عام واحد . هذا المؤشر يتم إنجازه عن طريق تقسيم الإنتاج السنوي الحقيقي على عدد السكان في نفس العام. فلو كان الإنتاج السنوي الحقيقي لبلد معين هو 250 مليار دولار وحجم سكانه هو 25 مليون مواطن , فان معدل دخل المواطن في هذا البلد 10,000 دولارا سنويا . ولو زاد دخل المواطن الحقيقي في السنة التالية الى 10,500 دولارا , لكان النمو السنوي لدخل المواطن في هذا البلد هو 5% , وهي نسبة لا باس بها , حيث ان معدل دخل المواطن في هذا البلد سوف يتضاعف ويصبح 21,000 دولارا بعد 14 عاما , اذا استمرت نسبة النمو 5%.
يركز الاقتصاديون على الإنتاج الحقيقي والدخل الحقيقي والأجور الحقيقية وليس الإنتاج الاسمي والدخل الاسمي والأجور الاسمية , لان المؤشرات الأولى ترسم المستوى المعاشي الحقيقي للسكان . على سبيل المثال , عندما يكون اجر المواطن اليومي في العراق هو 40,000 دينار وان سعر الكيلو من لحم الغنم هو  15,000  دينار , وسعر كيلو الشاي 10,000 دينار , وسعر كيلو الرز هو 2,000 دينار , وسعر كيلو دهن الحر هو 5,000 دينار. هذا الاجر سوف يسمح للمواطن شراء: كيلو لحم غنم , كيلو شاي , 5 كيلو من الرز , وكيلو واحد من الدهن الحر . ولكن لو افترضنا ان أسعار لحم الغنم والشاي قد ارتفعت واصبح سعر كيلو لحم الغنم هو 18,000 دينار وسعر كيلو الشاي هو 12,000 , فان القوة الشرائية لهذا المواطن سوف تتقلص ويصبح غير قادر الا على شراء كيلو لحم , كيلو شاي , و 5 كيلو ات من الرز , ولكن بدون دهن حر . واذا كان كيلو دهن الحر مهم لهذا المواطن , فعليه صرف 5,000 دينار من مدخراته . بكلام اخر , حتى يستطيع هذا المواطن اشباع رغبته , عليه استخدام مدخراته إضافة الى اجره اليومي لسد حاجته . المواطن أصبح أفقر بعد ارتفاع سعر سلعة لحم الغنم والشاي. ولهذا يتعمد الاقتصاديون الى قياس الإنتاج الوطني ليست بالأسعار الاسمية او الجارية وانما بالأسعار الحقيقة , أسعار خالية من تأثيرات التضخم .

مثال اخر , كان مبلغ 1,000 دينار عراقي كافي لشراء بيت من ثلاث غرف في احد احياء بغداد , بينما كان معدل دخل المواطن السنوي هو 800 دينار عام 1970 . في عام 2016 أصبح معدل دخل المواطن العراقي حوالي 6 ملايين دينار. ولكن هل يعني ان المواطن العراقي مع هذا المبلغ أصبح أكثر رفاهية؟ الجواب هو لا , لان هذه 6 ملايين دينار لا تكفي لشراء متر مربع واحد في مدينة الاعظمية او الكاظمية , واصبح معدل سعر بيت من ثلاثة غرف نوم لا يقل عن 250 مليون دينار . اذن , احتساب الإنتاج المحلي بالأسعار الجارية يضخم حجم الإنتاج ولا يعطي الصورة الصحيحة له , ولهذا يعمل الاقتصاديون على طرح نسبة التضخم المالي من الحسابات الاسمية , حتى تعطي الصورة الصحيحة لمتانة الاقتصاد الوطني و حالة المواطن الاقتصادية.
المنتقدون للنمو الاقتصادي يقولون ان التطور الصناعي جاء بالتلوث , الانحباس الحراري , الصيد الجائر ,  انقراض بعض الحيوانات البرية والبحرية , ازالت الغابات , والاستخدام المفرط للمواد الأولية. هذه الحالات تجعل من كوكبنا اقل تنوعنا في الموارد الطبيعية واكثر تلوثا , لان كل ما يستخدم الانسان  يصبح في يوما من الأيام انقاضا ويصبح من الصعب التعامل معها لضخامة كمياتها . وعليه وكلما زادت نسبة النمو الاقتصادي وزاد المستوى المعاشي للإفراد زادت معه حجم التلوث البيئي وزادت الأنقاض والاوساخ والنفايات. اخرون يقولون ان التقدم الاقتصادي لم يستطع القضاء على تفاوت الدخول , لم يوقف الجريمة في الشوارع العامة , زاد من نسبة الطلاق , زاد من مشكلة استخدام المخدرات والادمان على الخمور , ولم يقضي على مشكلة المشردين . بعضهم يقول ان التقدم الاقتصادي لا يعني ان المواطن أصبح أكثر سعادة من الدول الفقيرة او الغير صناعية. المواطن في الغرب اصبح يصرف وقت أطول مع المنتجات الالكترونية واقل تواجدا مع اهله , جيرانه , وأصدقائه . لقد ذهبت تلك الأيام التي كانت العائلة الواحدة تجلس عصرا تتمتع بمناظر الزهور وتبادل الاحاديث , وزيارة الجيران والأصدقاء . واخرون يقولون ان النمو الاقتصادي سوف لن يدوم الى ما لا نهاية , وانما في يوما ما سوف تنضب الموارد الطبيعية وتبدء الحروب المدمرة من اجل الاستحواذ على اكبر قدر ممكن من المواد الطبيعية المتبقية.
أصدقاء النمو الاقتصادي , من جهة أخرى يقولون ان النمو الاقتصادي وتصاعد المستوى المعاشي للإفراد سمح لهم بأرسال أولادهم الى المدارس والمعاهد العلمية , استخدام الوسائل الترفيهية مثل الذهاب الى السينما , المسرح , المشاركة في الاحتفالات الوطنية والدينية , ممارسة الرياضة , و السفر داخل وخارج البلد. ارتفاع الدخول مكن المواطن من العناية بنفسه صحيا وأصبح يزور الطبيب كلما اقتضت الحاجة له. التقدم الاقتصادي سهل للمواطن الاتصال مع أخيه المواطن الاخر عن طريق الخطوط الجوية , السيارة , التلفون , الكمبيوتر , و الأيميل . التقدم سمح للفرد السفر من الكويت الى الولايات المتحدة الامريكية خلال 12 ساعة بعد ان كانت مثل هذه السفرة من المستحيلات. التقدم الاقتصادي سمح للمواطن استخدام المعلومات المتوفرة على الانترنيت في شتى مجالات الحياة بعد ان كانت بعيدة عن تناول يده. التكنولوجيا والتقدم سهل على الحجاج العراقيين زيارة بيت الله الحرام خلال ثلاثة ساعات بالطائرة بعد ان كانت تأخذ ستة أشهر على ظهور الحمير والبغال والجمال.
النمو الاقتصادي ساعد الحكومات على الاعتناء بالبنى التحتية للبلد مثل بناء السدود المائية , الطرق الرئيسية التي تربط المدن الكبيرة مع المدن الصغيرة , بناء شبكات مجاري ومنع تعرض المواطنين الى الامراض التي تسببها المجاري المفتوحة , توصيل المياه الصالحة للشرب الى اقصى قرية وبذلك تسهل على المواطن شرب الماء الصالح وتبعده عن امراض المياه القذرة , تأسيس شبكات الانترنيت من اجل نشر الوعي للمواطنين , الصرف على الأجهزة الأمنية لحفظ الامن , تأسيس قوات عسكرية مجهزة بأحدث الأجهزة لحماية البلاد من الأعداء ,تأسيس برامج اعانة للفقراء والمعوقين وأصحاب الامراض المزمنة , بناء المتنزهات والعناية بالغابات و الحيوانات البرية  . النمو الاقتصادي يجر الفقراء من عازتهم , لان النمو يؤدي الى زيادة دخل الفقراء , ويزيد نمو اقتصاد الدول الفقيرة من خلال زيادة المساعدات المالية و الاستثمارات الأجنبية في هذه البلدان .
النمو الاقتصادي جعل من مواقع العمل اكثر امانا وسهولة , حيث ان التعليمات الحديثة تمنع العمال من دخول ساحات العمل بدون لبس القبعات الواقية , احذية مناسبة , وملابس واقية تميزهم . التكنلوجيا الحديثة نجحت بإنتاج الات الحفر والحمل الصغيرة وبذلك انتفت الحاجة الى الاعمال العضلية والتي اثرت تأثيرا سلبيا على حياة وصحة العمال. كما وأصبحت دوائر العمل أماكن مريحة للعاملين والمراجعين لها من حيث الإضاءة و والتحكم بدرجة الحرارة , والديكور . النمو الاقتصادي , فتح المجال للمواطن بزيارة الطبيب ومعرفة مرضه بسهولة بواسطة استخدام التكنولوجية الحديثة . حتى العمليات الجراحية أصبحت اقل خطورة من السابق بفضل وجود التكنلوجية , بعد ان كان المريض يموت بأبسط الامراض . النمو الاقتصادي زاد على طلب أصحاب الشهادات العلمية , وبذلك شجع على تأسيس المدارس والمعاهد والجامعات حتى في المدن الصغيرة .
حتى البيئة يمكن حمايتها في ظل التنمية الاقتصادية. التنمية الاقتصادية تعني ارتفاع الإنتاج , ارتفاع في الموارد المالية للحكومة , وارتفاع في قابلية الحكومة الصرف على تنظيف وعناية وحماية البيئة في البلاد .  الدول المتقدمة اقتصاديا لديها القدرة على اصدار التعليمات والقوانين التي تنظم علاقة المواطن بالبيئة , منها منع تلوث الأنهر والبحيرات , منع رمي النفايات في الشوارع والطرق العامة , تحديد عدد أيام صيد الحيوانات واعددها , إعادة تشجير غابات الخشب , إعادة تشجير مواقع مناجم الفحم بعد اغلاقها , منع قطع الأشجار من مناطق معينة , تشجيع تأسيس مزارع للأسماك والكثير من الحيوانات البحرية التي أصبحت في خانة الخطر من الاستعمال.  على سبيل المثال , ان عدد النمور البنغالية في حدائق الحيوانات في الولايات المتحدة الامريكية يفوق عددها الموجود منها في غابات البنغال و الهند .
وأخيرا , هل يمكن الاستمرار بالتنمية الاقتصادية الى الابد ؟ الداعمين للتنمية الاقتصادية يجيبون بنعم. انهم يقولون ان التقدم التكنلوجي سمح للإنسان اكتشاف موارد جديدة , التكنلوجية سوف تؤدي الى تقليص الاعتماد على الموارد الطبيعية و التركيز على المواد المصنعة . التكنلوجيا الجديدة سمحت للإنسان على سبيل المثال استخدام الطاقة الشمسية والمائية في توليد الطاقة , التكنلوجية الجديدة سمحت بإنتاج مزروعات مقاومة للأمراض وذات عطاء مضاعف , زيادة في انتاج الأسماك النهرية والبحرية وبذلك خفف الضغط من الصيد الجائر و حفظ سلالات مهمة من الأسماك , ازداد كمية لحوم المواشي والدجاج في الأسواق . وأخيرا , التكنلوجية الحديثة جعلت من الممكن إعادة استخدام النفايات بعد تدويرها وتحويلها الى مواد أخرى . القناني الزجاجية والبلاستكية والصحف المستعملة سوف لن يكون مكانها الطمر وانما مكانها معامل التدوير وتحويلها الى مواد ومنتوجات تفيد الانسان مرة ثانية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here