الاختلافات بين اقتصاد السوق واقتصاد الدولة

محمد رضا عباس
لم يشهد العالم نظام اقتصادي رأسمالي خالص ولم يشاهد العالم نظام اقتصادي اشتراكي خالص , وانما حكمت البشرية نوعين من النظم الاقتصادية و هي نظام السوق و نظام اقتصاد الدولة ( الاقتصاد المخطط) او ما يتعارف عليه بالنظام الاشتراكي والذي كان سائدا في الاتحاد السوفيتي , أوربا الشرقية , و بعض دول الشرق الأوسط . انهارت معظم الدول الاشتراكية مع انهيار الاتحاد السوفيتي , ولكن من المفيد معرفة الفرق بين النظامين الاقتصاديين , وترك موضوع أسباب انهيار الاقتصاد الاشتراكي الى حكم القارئ. فما هو الفرق بين النظامين؟  هناك خمسة فروق رئيسية تفصل نظام اقتصاد السوق عن نظام الاقتصاد الاشتراكي او المخطط او الدولة وهي:
الملكية: نظام السوق يسمح للأفراد تملك وسائل الإنتاج , عقارات , أراضي زراعية , ومناجم . المواطن له الحرية في اختيار العمل في أي قطاع اقتصادي , المنتجين لهم الحرية بإنتاج السلع والخدمات بالكميات التي يعتقدون انها تدر عليهم اكبر الأرباح , ولا احد يستطيع مشاركتهم في هذه الأرباح بعد دفع الضرائب عليها. في النظام الاشتراكي او المخطط , فان ملكية وسائل الإنتاج تعود للدولة , وان الدولة , وليس الافراد , من يملك المشاريع الاقتصادية الكبرى في البلد . الدولة هي التي تسيطر على الصناعة وهي التي تسيطر على الإنتاج الزراعي. في بعض الدول الاشتراكية , كان يسمح للأفراد  مزاولة اعمال صغيرة او امتلاك مشاريع صغيرة ولكنها تحت مراقبة الدولة . على سبيل المثال , كان النظام السابق يسمح للمواطن ان يكون تاجر مفرد ولكن معظم تجهيزاته كانت تأتي عن طريق ” مصلحة المبايعات الحكومية”, وهي وكالة حكومية تقوم باستيراد المواد الضرورية (شاي , سكر , رز ) وتوزيعها على وكلائها.
العدالة في التوزيع: لا يكترث نظام السوق في التوزيع العادل للثروات , في هذا النظام تجد من المشردين من لا يملك ثمن وجبة إفطار له , وتجد مواطن يملك المليارات . بالحقيقة , اعتبر نظام السوق , الربح احد اهم الوسائل لاستمرار التطور الاقتصادي . الربح يودي الى اكتشافات جديدة في استخدام المواد الأولية , طرق جديدة للإنتاج , إنتاج بضائع جديدة , وطرق تسويق جديدة . هذه الاكتشافات تودي الى ربح كبير لأصحاب المواهب واستمرارية في التقدم الاقتصادي. في النظام الاشتراكي , تعمل الحكومات جاهدة بتوزيع الثروة والموارد الاقتصادية بين المواطنين ولا تسمح ان يكون هناك فريقين من أبناء المجتمع : فريق يعاني من الجوع و الاخر يعاني من التخمة . وبالمناسبة , فان نظام السوق هو الاخر لديه برامج مساعدات للفقراء من أبناء المجتمع يتم تمويل هذه البرامج عن طريق ضرائب الدخول . يضاف الى ذلك , وجود المئات من الجمعيات الخيرية التي تهتم في شؤون الفقراء.
الكفاءة الإنتاجية: يعتمد نظام السوق على الكفاءة الإنتاجية , أي الإنتاج باقل الكلف , حتى يستطيع التنافس في السوق . المنتج الذي لا يستطيع انتاج سلعة مرغوبة في السوق بأقل الكلف نهايته الإفلاس وغلق أبواب عمله. ولهذا السبب يحاول المنتج في نظام السوق انتاج أحسن السلع وبمواصفات عالية وبنفس الوقت بأسعار تنافسية. في النظام الاشتراكي او المخطط , وان يعتبر الكفاءة بالإنتاج من الأمور المهمة , الا ان عدم وجود محفزات اقتصادية للأفراد الموهبين  يحول دون ذلك . المهندس في اقتصاد الدولة لا يجد  ضرورة من الاجتهاد والسهر الطويل من اجل تطوير سلعة معينة او طريقة انتاج معينة او طريقة خزن جديدة وهو يعلم جيدا انه لا فائدة مالية ولا ترقية إدارية يستفيد منها. ان غياب هذا العنصر , هو الذي أدى بتخلف النظام الاشتراكي اقتصاديا مقارنة بدول نظام السوق .
التذبذبات الاقتصادية. يعاني نظام السوق من الدورات الاقتصادية المتكررة. في بعض الأوقات يدخل هذا النظام مرحلة التراجع الاقتصادي , فيتراجع الإنتاج ويخسر العمال وظائفهم , وتمر البلاد بأزمة مالية . وفي بعض الأوقات يمر الاقتصاد بمرحلة ازدهار اقتصادي فوق العادة يؤدي الى زيادة الطلب العام على السلع والخدمات , و ترتفع الأسعار , وتقل القوة الشرائية للمواطنين (تضخم مالي). في نظام اقتصاد الدولة , لا يسمح المخطط الاقتصادي بظهور التذبذبات الاقتصادية وذلك لان كل شيء مخطط له . المخطط الاقتصادي وبموجب احصائيات دقيقة يعرف , على سبيل المثال , عدد السيارات التي يحتاجها المجتمع في المرحلة القادمة , فتنتج معامل صنع السيارات وفق العدد المقرر. والمخطط الاقتصادي يعرف بالضبط عدد اطنان الحنطة التي يحتاجها البلد سنويا، فيسمح بإنتاج الكمية المحددة, وبذلك لا يوجد فائض في الإنتاج ولا يوجد تسريح للعمال او خسارة مالية بسبب كساد البضاعة .بالطبع ان الاعتماد على التخطيط , لا يعني ان المخططين لا يخطؤون . لا يعلم الغيب الا الله , وهكذا , فان الدول الاشتراكية هي الأخرى تمر في أزمات اقتصادية حتى في ظل تخطيط اقتصادي صارم و متقدم حتى على دول اقتصاد السوق.
الأسعار: في النظم الاشتراكية او الدولة او المخطط , أصحاب القرار هم الذين يقررون أسعار السلع والخدمات المباعة في السوق . البائع في السوق هو مجرد وكيل للمنتج , يبيع بضاعته وفق أرادة المنتج . سعر كيلو الطماطة , على سبيل المثال , تحدده الجمعية التعاونية وليس العرض والطلب كما هو معمول به في نظام السوق . في نظام السوق من يقرر أسعار السلع والخدمات هو ليس المنتج وانما إرادة  البائع والمشتري في السوق. وفرة كثيرة من الطماطة يؤدي الى انخفاض في أسعارها , بينما شحة هذه المادة تؤدي الى ارتفاع أسعارها . هذا المثل ينطبق على جميع البضائع في السوق. اذا قرر البائع برفع أسعار بضاعته منفردا سوف لن يجد من يشتري بضاعته , بينما تخفيض البائع أسعار بضاعته مقارنة بأسعار السوق تؤدي الى خسارته وخروجه من السوق مفلسا. نظام السوق يحقق طموحات البائع والمشتري , ولهذا السبب من النادر ان يعاني نظام السوق من الشحة او الفائض.
بعض الاقتصاديين يضيفون فرق اخر وهو ” عدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية” عند التحدث عن النظام الاشتراكي والسوق. بينما يعتبر التدخل الحكومي في الشأن الاقتصادي سمة من سمات النظم الاشتراكية , الا ان هذا التدخل اصبح ظاهرة في نظام السوق لا يمكن اخفائه. بالحقيقة ,ان  تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي هو صاحب الفضل الكبير في انقاذ الاقتصاد الأمريكي , الياباني , والاوربي من اوجاعه. لقد اثبتت التجارب العالمية ان الاقتصاد لا يستطيع اصلاح امراضه بنفسه كما تدعي النظرية الكلاسيكية , وانما يحتاج لطبيب مؤهل , وفي مثل هذه الحالة , الحكومة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here