حان الوقت لاعادة تعريف ” المعارضة “

حان الوقت لاعادة تعريف ” المعارضة ”
صلاح بدرالدين

قبل ستة أعوام وخلال اكتمال الانتفاضة الوطنية السورية السنة الأولى من عمرها لم تكن هناك حاجة للتمييز بين مصطلحات ( الانتفاضة والثورة والمعارضة ) فكل منتفض وكل متظاهر محتج وكل تنسيقية شبابية معلنة أو قيد الانشاء والتفعيل وكل جندي حر مقاتل مدافع وكل ضابط أو ضابط صف ملتحق بصفوف الشعب وكل مثقف وكاتب ومفكر ومناضل وطني يكتب ضد الاستبداد وكل اعلامي أو صحافي يناصر خصوم النظام ويدعو الى التغيير وكل فرد من سكان المدن والريف وكل ناشطة وناشط في صفوف الشعب وكل مواطن سوري عربيا كان أم كرديا أم تركمانيا أم مسلما أم مسيحيا يتمنى الخلاص وينشد الحرية نعم كل واحد من هؤلاء كان يستحق أن يطلق عليه صفة الثائر اوالمعارض من دون حرج لأن الجميع التزموا بصدق وعفوية بالهدف الأساسي وهو اسقاط الاستبداد واجراء التغيير الديموقراطي السلمي .
ولان كل هؤلاء مجتمعين ولأسباب موضوعية وذاتية قد لاتقتصر على الحالة السورية فقط بل تنسحب على ظاهرة ثورات الربيع برمتها المتسمة بالعفوية وعدم النضوج وقلة الخبرة ولامجال للدخول في صلبها الآن نقول أنه قد فات على هؤلاء جميعا من الذين ذكرناهم اعلاه جماعات وأفرادا اتخاذ الحيطة والحذر والمبادرة في تنظيم الصفوف وتشكيل قيادة مركزية سياسية – عسكرية وصياغة البرنامج الوطني الديموقراطي ووضع الاستراتيجية الصلبة والتكتيك المرن مما أصبحوا في مرمى شرور ومناورات الأحزاب الأيديولوجية التقليدية الاسلامية منها والقومية والشيوعية والتي تسلقت وتسللت مع كل أجندتها الاقليمية الخارجية وامكانياتها المادية التي وفرتها أنظمة أكثر استبدادا من نظام الأسد ليس من أجل تحقيق أهداف الشعب السوري وثورته بل في سبيل اجهاض أهم وأعظم ثورة وطنية ديموقراطية في موجات ثورات الربيع .
لم يمض عامان على الثورة حتى تتالت موجات أصحاب المصالح الخاصة من جماعات الاسلام السياسي وخدمها من عناصر ( ليبرالية وقومية وشيوعية ) ومن ثم الوافدين من صلب نظام البعث الحاكم لتستولي على مقدراتها وتسطو على اسمها وتزيح كل الثوريين والمناضلين الشرفاء وبالأخص نشطاء الجيش الحر الذي كان بمثابة العمود الفقري لها ثم تم الانتقال الى صيغة ” المعارضة ” السياسية متجسدة في ماسمي ( بالمجلس الوطني السوري ثم الائتلاف ) الذي شكل المحاولة الأولى على طريق ” أخونة ” الثورة وأسلمتها مع كل مايتطلب من تفاعل واندماج في خطط وبرامج النظامين القطري والتركي اللذان شكلا مرتكزا ماليا وجغرافيا للانطلاق نحو الامساك بدفة ثورات الربيع وخصوصا السورية منها حصل ذلك أمام مرأى ومسمع وارتياح البلدان الأوروبية وأمريكا والنظام العربي الرسمي .
بمرور الزمن ومع كل معاناة السوريين التي لامثيل لها تحولت ” المعارضة ” الى جزء مكمل للأطراف الاقليمية والدولية العاملة على ( ادارة الأزمة ) وليس دعم الشعب السوري ومساعدة ثورته وغادرت مواقع الثورة وأهدافها وشعاراتها بل أصبحت وكيلة الأطراف الداعمة لها وممثلة لسياساتها ومنذ قيام ( الهيئة التفاوضية العليا ) عقب مؤتمر – الرياض – تحولت- المعارضة – الى مؤسسة فنية شبه نظامية لاعلاقة لها بالثورة والنضال الوطني تتلقى أوامر السفر والمشاركة والانسحاب وطريقة الحديث وشكل ومضمون الخطاب السياسي والموقف من عواصم معينة بالنظام العربي الرسمي .
منذ اتفاقية – فيننا – وماقبلها وفي كل مؤتمرات – جنيف – التزمت ” المعارضة ” بشكل ثابت بوجوب الحفاظ على مؤسسات النظام العسكرية والأمنية والاقتصادية والسيادية والاستعداد للعمل مع نظام الأسد في حكومة مشتركة أي وبالتفسير الحقيقي التخلي عن اهداف وشعارات الثورة وكان عليها مكاشفة السوريين بهذه الاستدارة التراجعية المنحرفة وليس تضليلهم أو الرجوع الى الشعب من خلال مؤتمر وطني جامع لتقرير المصير ومواجهة المستجدات .
هذه ” المعارضة ” التي طرحت نفسها – نظريا – كممثل شرعي وحيد للشعب والثورة هي من تتحمل كل التراجعات العسكرية والاخفاقات السياسية وهي المسؤولة عن تشتت تشكيلات الجيش الحر وسيطرة الاسلام السياسي على المقدرات وضياع القضية السورية وحتى المواجهات الدموية بين الفصائل العسكرية المحسوبة عليها وأكثر من ذلك فانها المسؤلة عن الاشكاليات التي رافقت أداء الفصائل العسكرية التي شاركت اجتماعات – أستانا – وهي من ضللت السوريين بتحويل المحتل الروسي من عدو الى محاور ووسيط وشريك ناهيك عن تحملها وزر كل الخطايا والردات المضادة التي تحصل كل يوم الى درجة فقدان الأمل من جانب معظم السوريين .
ومايتعلق بالكيانات السياسية والحزبية االعاملة باسم المعارضة منذ ستة أعوام والتي ظهرت بمعزل عن الشرعيتين الشعبية والثورية وأغلقت الأبواب أمام الحراك الشبابي والوطنيين المستقلين وأخفقت في تحقيق أهداف الثورة وأية انجازات وخطوات تذكر وعجزت عن اجراء المراجعة النقدية عبر المؤتمر الوطني الجامع وكمثال : ( المجلس السوري والائتلاف والمجلس الكردي ) فلن تعاد الروح اليها بتنصيب شخص محل آخر من الطينة ذاتها فهي أحوج ماتكون الى التغيير برنامجا وقيادات وسياسات ولاأعتقد أن ( حفلات التسليم والاستلام ) بالشكل المتبع ستهم السوريين أو تجلب انتباههم أو تعيد اليهم أي بصيص من الأمل .
ازاء تلك الحقائق ليس أمام الوطنيين والمثقفين وجميع أنصار الثورة السورية الا مراجعة بالعمق لمفهوم ” المعارضة ” وايجاد صيغة أخرى لتسمية من كانوا يوما ما من ” المعارضة ” وفي صفوف الثورة ولو بالكلام وهل يجوز أن يكون ( المعارض ) غير مؤمن بأهداف الثورة وأقرب الى النظام ووضع حد فاصل ونهائي لعملية التضليل الممنهجة الجارية منذ أعوام .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here