ما هو اقتصاد الظل؟

محمد رضا عباس
لا تدخل في بيانات الإنتاج الوطني جميع العمليات الإنتاجية في البلد , وانما هناك عمليات إنتاجية لا يسمح القانون التعامل معها او لان التعامل معها يحتاج تصريح او دراية حكومية , وبعكسه تعد مخالفة قانونية يحاسب عليها القانون . النوع الأول ويشمل المتاجرة بالمخدرات , المتاجرة بالمواد المنتهية الصلاحية , دور العهر, القرصنة , رشاوي الموظفين , بيع وشراء الأعضاء البشرية , تهريب البشر من بلد الى اخر , تهريب الحيوانات النادرة وعلى لائحة الانقراض , تهريب الاثار و رسوم كبار الرسامين . اما القسم الثاني فتشمل السلع والخدمات التي لا يتم توثيقها اما تهربا من دفع الضرائب الحكومية او لمخلفتها التعليمات , مثل تهريب البضائع لتجنب دفع الضرائب الجمركية عليها , او عمل مواطن في اعمال الصيانة الكهربائية بدون إجازة من الحكومة او نقابة , او استخدام العمال غير مجازين بالعمل , او العمل بعد خارج الدوام الرسمي , كأن يسوق موظف سيارته ( تكسي ) بعد دوامه الرسمي ولم يقدم بيانات للحكومة عن كمية الدخل المتحقق من هذا العمل او ممرضة تعالج بعض المرضى بعد انتهاء عملها الرسمي و لكن لا تصرح للحكومة مقدار ذلك الدخل.
اقتصاد الظل (بعض الأحيان يسمى السوق السوداء او الاقتصاد السري) يعم جميع دول العالم , ولكن انتشاره أوسع في العالم الثالث , حيث قدرة بعض الاحصائيات بانه يشكل ما يقارب 36% من قيمة الاقتصاد الوطني , بينما يشكل نظام الظل في الدول المتقدمة 13%. التفاوت في النسبة يعود الى صعوبة تنظيم سوق العمل في الدول النامية. على سبيل المثال , من غير الممكن ان تطالب الحكومة العراقية الان من عمال البناء بتقديم تقرير عن عمل يومهم وعن اجورهم اليومية ودفع نسبة من دخلهم كضريبة . كما من غير المعقول ان تسأل الحكومة أصحاب المطاعم المتجولة عن بيان حجم مبيعاتهم وكلفة مبيعاتهم والارباح المتحققة من المبيعات. بالحقيقة , ان 50% من العمليات الإنتاجية في العراق لا تدخل في حسابات الإنتاج الوطني , لان الحكومة لا تسأل عنها والموطن لا يحب دفع الضرائب عنها. هناك مهن وحرف واعمال في العراق تدر على أصحابها الملايين من الدنانير يوميا بدون دفع صاحبها فلسا واحدا الى خزينة الدولة!
ان عدم تقديم البيانات عن حجم التعاملات في السلع والخدمات التي تقع تحت اسم اقتصاد الظل تحرم الحكومات مصادرة مهمة من مصادر الدخل. على سبيل المثال ان اقتصاد الظل في الولايات المتحدة الامريكية يشكل 8% من الإنتاج الوطني او ما يعادل 2 ترليون دولار , و هو رقم يمثل خسارة لخزينة الدولة بمقدار 200 مليار دولار سنويا . في ولاية كاليفورنيا الامريكية يمثل اقتصاد الظل نسبة تتراوح بين 15% و17% او بدخل ما بين 60 مليار دولار و 140 مليار دولار , وخسارة في دخل الولاية تقدر بين 8.5 مليار دولار و 28 مليار دولار سنويا. ان ازدهار اقتصاد الظل في الدول المتقدمة يحرم الكثير من البرامج الحكومية من التمويل ولا سيما برامج التربية والتعليم , برامج المعونات الاجتماعية , وبرامج التدريب , وغيرها من البرامج الاقتصادية المهمة .
اما في الدول النامية , فان اقتصاد الظل وان لم يقدم مورد مالي للحكومات , الا ان هذا الاقتصاد هو الذي يسير العجلة الاقتصادية في البلد . دخل عامل البناء , يصبح دخل للبقال و العطار , والمزارع , وبائع الألبسة . وكذلك دخل الفلاح يصبح دخل لسواق السيارات والقصاب والطبيب والحلاق. وهكذا , كلما ازدادت حصة هذا الاقتصاد في الاقتصاد الوطني زاد الطلب العام و زاد النمو الاقتصادي. اقتصاد الظل في الدول النامية , يسمح للمواطن بتحسين مستواه المعاشي , كان يضطر احد الفلاحين ببيع منتوجاته في السوق او على قارعة الطريق من اجل شراء اثاث إضافية الى بيته او جهاز تلفزيون او ارسال أولاده الى المدرسة . او يضطر عامل حكومي في قطاع شبكة المياه بالعمل بعد الدوام الرسمي وفي العطلات من اجل بناء سياج لداره. او تعمل احدى الشابات كمربية للأطفال في بيوت المتمكنين من اجل جمع بعض المال تمكنها الصرف على تعليمها، او إعطاء معلم دروس إضافية للطلاب البكلوريا بأجرة من اجل توفير حياة اقتصادية أفضل لأبنائه.
ينتشر اقتصاد الظل في الأوقات الاقتصادية الصعبة في الدول المتقدمة. ففي الركود الاقتصادي العظيم الذي ضرب الاقتصاد الأمريكي عام 2008-2009 اضطر الكثير من العمال المسرحين العمل في اعمال ثانوية ( عمال بناء , عمال تصليح سيارات , العمل في المطاعم , غسل السيارات ) مخالفة لقوانين التامين الصحي وشروط العمل , ولكن الدخل الذي تقاضوه ساعدهم على اجتياز المصاعب المالية التي مروا بها . خلال الركود الاقتصادي , لا ينتعش قطاع العمل الغير مرخص به حكوميا فحسب , وانما يزدهر معه الاعمال التي يحاسب عليه القانون  مثل المتاجرة بالمخدرات , بيع الأسلحة الغير مرخصة بها , انتشار دور الدعارة , وانتعاش تجارة الأعضاء البشرية والاتجار  بالأثار. خير مثال على ذلك , هو ازدهار هذه التجارة في العراق بسبب غياب فرص العمل في الوقت الحاضر. وعليه فان مسؤولية الحكومات تتضاعف امام مواطنيها في أيام الازمات الاقتصادية , توفير فرص العمل للقادرين و الراغبين للعمل , ومحاربة التعامل مع السلع والخدمات الغير شرعية . لا يمكن للعراق ان يتقدم اقتصاديا بدون تطوير قطاعاته الاقتصادية , رفع مستوى المعاشي للمواطنين , و احترام ادمية مواطنيه في الكبر . العراق سيصل الى هذا المستوى , عندما يشارك المواطن العراقي بتحمل جزء من الأعباء المالية ( دفع ضرائب) , عندما يكون قويا و منتجا , حتى تكون ذخرا له في الكبر ( الضمان الاجتماعي مع التقاعد ) . الوضع الحالي لا يتحمل , الكل يبغون المساعدات الحكومية والرعاية الاجتماعية والتقاعد و البطاقة التموينية , ولكن لا احد له الرغبة بدفع حقوق الدولة عليه. المواطن العراقي يجب عليه الخروج من اقتصاد الظل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here