من اجل ان لا تتكرر أخطأ مجلس الاعمار العراقي مرة أخرى

محمد رضا عباس

بعد الاكتشافات النفطية في العراق وتدفق النفط الى الأسواق العالمية , أصبحت للدولة العراقية آنذاك موارد مالية ضخمة , ارادت صرفها على البنية التحتية للبلد والتي كان البلد يعاني من نقصها الشديد . وفعلا , شكلت الحكومة مجلس الاعمار عام 1950 هدفه تأسيس مشاريع استثمارية على مساحة العراق وبتمويل من واردات النفط المصدر . لقد قام المجلس المؤقر بتأسيس مشاريع استثمارية وفي فترة قصيرة عجزت جميع الحكومات المتعاقبة تأسيسها. لقد كان للمجلس الفضل في تأسيس الجسور على نهري دجلة والفرات وتأسيس السدود الضخمة وشبكة الكهرباء وإصلاح الأراضي الزراعية.

لم يتهم احد المجلس بالفساد , ولم يتهم احد اعضاءه بانه استفاد شخصيا من المجلس , اعضاءه كانوا من الوطنيين من حمل الهم العراقي ومن أراد نقل العراق من مرحلة التخلف والامية الى عالم التحضر . ولكن هذا المجلس لم ينجوا من انتقادات حادة لا بسبب بعثرة أموال الدولة او استثمارها في مشاريع فاشلة او مشاريع لا يحتاجها العراق او مشاريع بأسعار مضاعفة , لا , ولكن الانتقادات تركزت , أولا , ان الخطط الاقتصادية لم تكن شاملة ولم تتمكن من ربط تأثير المشاريع الجديدة على الاقتصاد الوطني مثل نسبة البطالة في البلاد , على الدخل الوطني , على التجارة الداخلية , او على حياة المواطن . على سبيل المثال , أسس المجلس بعض السدود المهمة للبلاد , الا ان هذه السدود لم تجلب المنفعة مباشرة للمواطن العراقي . ما فائدة تأسيس سد فائدته بعيدة الأمد , بينما لا يجد المواطن مدرسة قريبة من سكناه ؟ وما فائدة بناء جسر لمواطن بدون مستشفى تخصصية في مدينته؟ وهكذا , وعلى الرغم من توجهات مجلس الاعمار في صرف تخصيصات الميزانيات الاستثمارية على مشاريع اقتصادية ضخمة يحتاجها البلد في الأمد القريب والبعيد , الا ان المواطن لم يلمس الطحين في يده . المواطن العراقي بقى فقيرا , يعاني من الجهل والامية و الحرمان. ثانيا , تركيز الخطط الاقتصادية على قطاع دون الأخر . كانت الخطط الاقتصادية قبل عام 1958 تتركز على القطاع الزراعي , بينما تركزت الخطط الاقتصادية بعد عام 1958 على القطاع الصنعي وتركت القطاع الزراعي يعاني الإهمال وقلة التخصيصات المالية . ثالثا، الخطط الاقتصادية اهملت القطاع الخاص ولم تحسب له أي حساب ,و هكذا اصبح في العراق قطاع حكومي كبير جدا يقابله قطاع خاص صغير جدا , عادة يدار من قبل مالك المشروع . بكلام اخر , أصبحت المصانع الكبيرة والمزارع الشاسعة تدار من قبل الحكومة , بينما تلخص دور القطاع الخاص على البقالين والعطارين وتجارة المفرد .

وحتى لا يتكرر خطأمجلس الاعمار مرة أخرى , أتمنى على المخطط الاقتصادي العراقي ان لا يركز على قطاع ويترك القطاعات الأخرى . يجب ان يكون هناك توازن ما بين المشاريع ذات المنفعة الطويلة الأمد ومشاريع تخص المواطن العراقي مباشرة. على سبيل المثال، المخطط الاقتصادي يحتاج التفكير بحاجة الملايين من المواطنين الى الوحدات السكنية رخيصة الكلفة. المواطن يحتاج الى طاقة كهربائية بدون انقطاع , حتى يتخلص من التلوث البئي والبشري للمولدات الكهربائية والتي زرعت بين الاحياء السكنية . المواطن العراقي يحتاج الى مدارس جديدة ومتقدمة تليق بإنسانية العراقي وتصبح مكان تجذب الطلاب لها , لا مدرسة مكتظة بالطلاب بدون مراحيض . ويحتاج المواطن العراقي الى مستشفيات متخصصة ومستوصفات منتشرة على طول البلاد وعرضها لتقديم الخدمات الصحية للحالات المستعجلة. ويحتاج المواطن العراقي الى شبكة ماء صالح للشرب بدون انقطاعات بعد الظهر. على المخطط الاقتصادي الانتباه لوضع هدف محدد لكل خطة اقتصادية , تأثيرها على سوق العمل و بالأرقام , على الأسعار وبالأرقام , وعلى دخل المواطن بالأرقام . ان تلخيص هدف الخطة الاقتصادية بالقول الهدف هو تحسن المستوى المعاشي للمواطن أصبحت كليشة مل المواطن منها , وانما يحتاج المواطن ان يسمع بان هذه الخطة سوف ترفع من دخله , على سبيل المثال, 8% سنويا , و بذلك تصبح الحكومة او مجلس المحافظة مسؤولا لتحقيق هذا المستوى من النمو , وبعكسه يحاسب عليها المسؤولون عن التخطيط و يحاسب عليها السياسيون.

ليس من العدل والانصاف وضع جميع اللوم بسبب نقص الخدمات على كاهل النظام الجديد ,لان هذا النظام قد استلم العراق وهو مدمر . لم تبنى مستشفى واحدة في العراق طيلة حكم النظام البائد , على الرغم ان نفوس العراق قد ازدادت من 20 مليون الى 30 مليون . كان دوام المدارس الابتدائية من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الثالثة مساءا , فأصبحت المدارس بثلاث وجبات من الطلاب بسبب نقص المدارس . ومن كان يتمتع ببعض ساعات من الكهرباء في بغداد , فان الكهرباء كان لا يصل الى محافظة المثنى وذي قار والقادسية وواسط. ولكن هذا لا يعني ان لا نحث الحكومة الحالية بالعمل بأقصى الجهود بإصلاح ما خربته الحكومات السابقة. العراق قدم ما يقارب المليون ضحية ما بين شهيد وجريح بعد التغيير , وخير مكافئة للشعب العراقي على تضحياته هو تحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي والصحي والثقافي . المواطن العراقي يجب ان ينعم بخيرات بلاده , ويجب ان يصل الى ما وصل له المواطن الخليجي من رفاه .

لقد كان تصريح البنك الدولي للأعمار في محله , عندما تحدث ممثله عن أهمية العراق واستعداد البنك بمساعدته على ازمته المالية . أتمنى على المسؤول الاقتصادي ان يضع في حساباته على كيفية نقل المواطن العراقي من حالة الفقر الى الرفاه. ان الفقر في العراق ليس من صناعة الله وانما من صنع البشر , انه بسبب سوء تعامل الحكومات السابقة مع المواطن العراقي وعدم احترام ادميته , والا هل من المعقول ان يتحول العراق من سلة للغذاء العربي , الى مستورد للطماطة ؟ المخطط العراقي يجب عليه التركيز على المشاريع التي توفر فرص العمل للمواطن العراقي , لان من غير المعقول ان تصرف الدولة الملايين من الدولارات على تعليم الشباب والشابات ومن ثم يكون مكانهم البيت او المقهى !

افهم جيدا , ان ما نطالب به ليس سهلا , ولكن ليس لمستحيلا . جميع الأمم التي تتمتع بالنظم الديمقراطية الرصينة مرت بالتجربة العراقية , قتل , وحروب أهلية , وتدمير البنى التحتية, ابتداء من بريطانيا العظمى الى الولايات المتحدة الامريكية الى فرنسا الى الهند الى روسيا. ولكن في النهاية , اصبح جميع مواطني هذه الدول يتمتعون بالحرية والتقدم الاقتصادي واحترام حقوق الانسان , لان كما قال شاعرنا الخالد محمد مهدي الجواهري ان دماء الضحايا فم “. دماء ضحايانا سوف لن تغفر لمن لا يضع العراق على سكة التقدم والرقي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here