مع عباس العلوي في إصداره الجديد,, حياة حافلة بالمعاني والعبر!

الكاتب العراقي المعروف عباس العلوي يطل علينا بكتاب من نمط جديد، أصدرته مؤخراً دار ميزر للنشر والتوزيع، يتحدث فيه عن والده وبعنوان: “أحمد محمد العلوي عميد الأسرة العلوية النجفية العريقة“. يشعر القاريء منذ البداية بحيادية المؤلف، رغم أنه يتناول جوانب مهمة من حياة ونشاط أقرب الناس إليه!

إن أهمية الكتاب ومتعة قراءته تأتيان من خلال الحياة المفعمة بالنشاط والحيوية، المليئة بالإخلاص والوطنية، المحبّة للناس والأهل والأقرباء، الحياة التي لم تعرف معنى لليأس والقنوط، والتي قاومت تلك الظروف الصعبة في العراق عامة والنجف الأشرف خاصة.

يبحث كاتبنا في نشأة والده وعميد الأسرة العلوية فيبين لنا كيف ترعرع في أحضان أسرة دينية نجفية عريقة، وتربى على مبادىء وقيم سامية لا تُفرق بين البشر، تُقيم العلم في بناء العقل، تُقدر الكلمة الطيبة و تعطي أهمية كبيرة للكفاح من أجل العائلة والناس والوطن!

بإسلوبه المتميز يروي لنا العلوي كيف أن عميد الأسرة كان أول رجل في النجف يدخل التلفزيون إلى بيته في عام 1958 ولم يأبه للحملة الظالمة التي شُنت ضده بسبب ذلك. وبعد عقد من الزمن بدأ ذلك الجهاز الأوربي يجد طريقه إلى البيوت الأخرى! كما أدخل بناته المدارس وأرسل أطفاله إلى رياض الأطفال وبعث أولاده إلى اوربا لإكمال دراستهم العليا في الوقت الذي كانت فيه الأمية متفشية في بلادنا!

من يقرأ الكتاب سيعرف أن العميد شعر بخطر الطائفية منذ ذلك الوقت، وأكد على أنها خطر يهدد كيان ووحدة المجتمع العراقي المتعدد الأطياف والألوان! وسيطّلع القاريء أيضاً على الممارسة التي تؤكد ارتباط سلوك ونهج العميد في واقع الحياة العملية مع مبادئه التي كان يؤمن بها.

مع المؤلف نسير سوية لنسبر عالم التجارة والمال والأعمال الذي انغمر فيه العميد بكل حماس وجرأة وإقدام؛ منتشياً وسعيداً بالنجاحات التي كان يحققها، وخارجاً أكثر تجربة وعزماً عند مواجهة المشاكل أو الخسارة أو الفشل في تحقيق حلمه. تنقل العميد في كفاحه مع الحياة من عامل بالأجرة إلى ورش الحدادة والميكانيك، وشيئاً فشيئاً بدأ بفتح محل ومن ثم كراج وورش للتصليح وبيع قطع الغيار وكذلك بإكمال تصنيع وتحوير بعض الآلات والمكائن المستوردة لتلائم حاجة السوق النجفية والعراقية عموماً. أدى ذلك النشاط إلى إقامة علاقات متعددة مع تجار كبار ومع دوائر الدولة المختلفة إضافة إلى وكالات من شركات أجنبية.

ينتقل بنا الكاتب النجفي إلى عالم الصناعة الذي ولجه العميد بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 والذي ساهم، مع غيره من المشاريع، بفتح آفاق رحبة أمام الصناعة العراقية الناهضة وتدريب أياد فنية ماهرة عراقية كان البلد بأمس الحاجة لها! ومن أجل ذلك سافر إلى بلدان أوربية عديدة والتقى بشخصيات مهمة، فعقد اتفاقيات مع شركات معروفة عالمياً(أنظر الصورة أدناه). وهنا يجد القاريء متعة ويحصل على معلومات قيمة عن تلك الفترة التي بذل العراقيون الغيارى الغالي والنفيس وسابقوا الزمن لبناء بلدهم ورفع شأنه! ويا ليت من بيده السلطة والمال في العراق اليوم يقرأ ويستفيد ويستخلص العبر والدروس من هذه السيرة التي يعرضها الكتاب والمفعمة بالكفاح والوطنية والإخلاص!

ينهي المؤلف هذا الكتاب الممتع بفاجعة مأساوية! فإبن النجف، الذي ولد وشبَّ فيها، وعمل في بلده العراق حيث أعطاه عصارة جهده وفكره، ينتهي به المطاف إلى المنفى الإجباري! فعاش بقية حياته بعيداً عن نجفه التي أحبها وهي موطن أهله وذويه!

د. إبراهيم الخميسي

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here