قروض غير ميسرة: معظم سكان الأنبار لا تشملهم مبادرة الحكومة المحلية

كمال العياش

أعلنت الحكومة المحلية في محافظة الانبار (110) كلم غرب العاصمة بغداد مؤخرا، عن حصول موافقة المصرف العقاري على تخصيص مبلغ (44) مليار دينار عراقي، يتم توزيعها كقروض ميسرة للمواطنين الذين تضررت ممتلكاتهم جراء العمليات العسكرية.

تتراوح بين (30 – 50) مليون دينار، إلا أن شروطاً وإجراءات وصفت بالتعجيزية حالت دون استفادة معظمهم من هذه القروض التي أطلقت على أنها مبادرة لمساعدة من تهدمت منازلهم وأصبحوا بلا مأوى، بسبب تمييزها بين المواطنين على أساس جنس العقار، فضلا عن ان حصة مركز الناحية، تختلف عن حصة القضاء وحصة مركز المحافظة.

احمد الجميلي، (44)عاما، الذي يقطن حي الشهداء جنوبي مدينة الفلوجة، استبشر خيرا عند سماعه بهذه المبادرة، إلا انه صدم بالشروط التي لا تنطبق عليه، كونه يسكن دارا شيدها على ارض زراعية وزعها مالكها بطريقة البيع المشترك في سند زراعي.

الجميلي، تحدث لـ”نقاش” قائلا “غالبية العائلات شيدت منازلها في هذه الأراضي الزراعية على أمل أن يتم تغيير جنس العقار في وقت لاحق إلا أن القدر كان أسرع وجعل منا ضحية حرب دمرت منازلنا وممتلكاتنا، ونحن اليوم لا نملك الحق بان نطالب بالتعويض، أو القرض الذي خصص للمتضررين، بسبب عدم امتلاكنا للسند العقاري”.

وقال أيضاً “نتطلع إلى إجراءات حكومية تساعدنا على اجتياز محنتنا، إلا أن الإجراءات والقوانين مازالت تعتبرنا مواطنين من الدرجة الثانية، وفي الوقت الذي لم تستثننا الصواريخ والبراميل المتفجرة من الدمار والخراب والتهجير، تضع الحكومة المحلية شروطا وقوانين تستثني غالبيتنا من هذه القروض، التي سنقوم بتسديدها لاحقا من قوتنا”.

مشهد الدور السكنية في الأراضي الزراعية أصبح مشهدا مألوفا، لاسيما بعد ارتفاع أسعار العقارات داخل المدن، الأمر الذي شجع مالكي الأراضي الزراعية القريبة من المدن ذات التخطيط العمراني، على استثمار تلك الأراضي من خلال تقسيمها وبيعها، فضلا عن انتشار العشوائيات داخل المدن ليتساوى الجميع أمام مخاطر العمليات العسكرية.

عبد المجيد العبود، (53) عاما احد السكان المحليين لمنطقة الجزيرة شمالي الرمادي، تحدث لـ”نقاش” قائلا ان “غالبية العائلات لا يملكون عقودا رسمية، فهم إما يسكنون في أراض زراعية، أو المناطق العشوائية التي تسمى بـ”العرصة”، أو ممن تشاطروا مساحات سكنية داخل المنزل الواحد، وهؤلاء يشكلون النسبة الأكبر من الذين تضرروا وتهدمت منازلهم، وغالبيتهم لا يملكون الأموال التي تساعدهم على البناء وإعادة الإعمار”.

وأضاف أيضاً “لم تدم فرحتنا طويلا عندما سمعنا بمبادرة الحكومة المحلية التي أعلنت عن قروض ميسرة بلا فوائد لمساعدة المتضررين، عندما علمنا أننا غير مشمولين بهذه القروض، حينها أدركنا أن هذه المبادرة جاءت لمساعدة المقربين، والميسورين، وبعض المواطنين، الذين لا يمثلون معظم الفقراء والمحتاجين”.

ويقول العبود أيضاً إن “من يسكنون في هذه العشوائيات أو الأراضي الزراعية، هم من الطبقة الفقيرة وهم أول من عاد الى المدينة وساهم في عودة الحياة إليها، ومناطقهم هي أكثر المناطق تضررا نتيجة العمليات العسكرية، التي كانت تستهدف الإرهابيين داخل المدينة وخارجها”.

مهدي الحمداني (44) عاما موظف مصرفي، احد السكان المحليين لمدينة الفلوجة، تحدث لـ”نقاش” قائلا إن “هذه القروض لا تناسب أصحاب الدخل المحدود، ولا تمثل فرصة مثالية لغالبية السكان الراغبين في إعادة إعمار منازلهم، لأنها تضع المستفيدين أمام التزام شهري يقضي بتسديد مبلغ (417) ألف دينار لمدة عشر سنوات، حسب تعليمات المصرف العقاري، ولا يمكن لنا في ظل هذا الركود الاقتصادي كمستفيدين أن نضمن تسديد أقساط شهرية للمصارف الحكومية، وان كانت القروض بلا فائدة”.

ويضيف أيضاً “إطلاق القروض بهذه الصيغة، ليس عطاء أو مبادرة كما يروج لها، بل هي منفعة وتدوير للمبالغ على أساس المرابحة بين مؤسسات الدولة، وإلزام المواطن بتسديد مبالغ دورية، فضلا عن وضع إشارة حجز على منزل المستفيد لصالح المصرف إلى حين تسديد كامل القرض”.

أم احمد أرملة خمسينية وارت الثرى على ابنها البكر احمد الذي كان يعينها على متاعب الحياة جراء العمليات العسكرية الأخيرة في مدينة الفلوجة، بعد أن انتشلته من تحت أنقاض منزلها، لم تجد ضالتها في هذه المبادرة التي أطلقتها الحكومة المحلية في محافظة الأنبار.

وسط كومة من الأنقاض وتحت سقف غرفة واحدة صمد بوجه الصواريخ والبراميل المتفجرة، تحدثت أم احمد لـ”نقاش” وقالت “أفضل العيش بين هذه الأنقاض على أن أتحمل أقساط شهرية لا استطيع تسديدها، ولو كنت أسعى للحصول على قرض وأتمكن من تسديده، لما انتظرت مبادرة الحكومة التي تفوح منها رائحة الدعاية الانتخابية”.

وتؤكد أم احمد أن “المتضررين في مدننا غالبيتهم من الفقراء، وجميعنا بحاجة الى التفاتة جادة تسهم في مساعدتنا، لا المتاجرة بهمومنا ومعاناتنا، نحن بحاجة الى تعويضات مادية ومعنوية عما لحق بنا من دمار وخراب، لم نكن نحن سبباً فيه بل كنا ضحية مؤامرات وصراعات”.

ابتسام محمد درب عضو مجلس محافظة الأنبار، تحدثت لـ”نقاش”، وقالت “الحكومة المحلية في محافظة الانبار تعلم جيدا أن المواطنين يستحقون تعويضات مجزية عما لحق بهم وبممتلكاتهم من أضرار، وعلى الرغم من عدم امتلاكنا التخصيص المالي للشروع بتعويض كافة المتضررين، تمكنا وبتوجيه من الحكومة المركزية، من تشكيل لجان متخصصة تولت مهمة حصر الأضرار وتبويبها، على أمل استحصال المبالغ اللازمة لتعويض المتضررين كافة”.

وأضافت أيضا “جهود الحكومة المحلية وممثلي محافظة الانبار، تكللت بالنجاح بعد استحصال الموافقات اللازمة لتسهيل قروض عقارية خصصت للسكان المحليين، ممن تضرروا جراء العمليات العسكرية كخطوة اولى للتخفيف عن كاهل المواطنين، ومازال العمل جاريا على إيجاد آلية تضمن شمول كافة المتضررين بهذه القروض”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here