هل دولتنا مدنية حقا ؟

محمد عبد الرحمن

عندما يدور الحديث عن الدولة المدنية فهي ليست بدون ضفاف، وقد اختلف الناس على توصيفها ولكن التجربة العالمية توصلت بخبرتها الى معايير محددة لها، من دونها لا تكون الدولة مدنية. وعلى وجه الدقة يدور الحديث عن دولة مدنية ديمقراطية وليست دولة مدنية وحسب. فمثل هذه الدولة المدنية قد تكون ديمقراطية حقا، لكنها يمكن ان تكون فاشية وديكتاتورية وعنصرية، والأمثلة عديدة في العالم .

ومن تلك المعايير اعتماد مبدأ المواطنة، وعدم التمييز بين المواطنين، فيما هناك حقوق وواجبات جلية وواضحة في الدستور وفي القوانين التي يفترض ان لا تتقاطع مع مواده وروحه.

ويتوجب ان تسود في هذه الدولة الديمقراطية بما تتضمنه من التداول السلمي للسلطة، والانتخابات النزيهة والشفافة، وضمان حق المواطنين في التعبير عن ارائهم ومعتقداتهم بحرية من دون محددات حمالة أوجه، والقبول بالاخر المختلف، وإشاعة أجواء ثقافية وعلاقات مدنية، وان تصان حقوق الانسان وفقا للإعلان العالمي .

وفي الدولة المدنية الديمقراطية الحقة تصان حرية المواطن وأمنه وحياته وممتلكاته، وفيها تحترم الكرامة ويسود قدر معقول من العدالة الاجتماعية .

والشئ المؤكد انها دولة مؤسسات وقانون تشكل ضمانة للمواطن ضد أية تجاوزات وتطاولات تحت أي عنوان واسم. ويتوجب فيها ان تكون هناك سلطة قضائية، مهنية وكفؤة وحيادية، لا تسمح للسياسيين او غيرهم بالتدخل في شؤونها .

فهل يتوفر مثل هذه المواصفات والمعايير في عراقنا اليوم المبتلي بالإرهاب والفساد والفاشلين والمدعين والمزايدين، من كل الأشكال والألوان ؟ نعم قد تكون هناك شذرات متناثرة من هذه المعايير ولكنها بالقطع لا تأخذ صفة الاستقرار المنهجي والمنتظم وغير القابل للاختراق . وهذا النظام لما يستقر بعد على حال وهو لا يسير حتى الان الى طريق يفضي الى ديمقراطية حقة، منهجا ونظاما متكاملا وإدارة سليمة ونمط تفكير ديمقراطيا .

وتزداد التعقيدات وتتعاظم المشاكل حيثما يزداد ضعف هيبة الدولة وعجزها عن أداء مهامها كدولة حافظة للامن وراعية لمواطنيها كافة، وما يسهم في المزيد من ضعفها الانفلات الأمني وتغول الجماعات المسلحة غير المنضبطة والتي غدت، في العديد من الممارسات، فوق الدولة والقانون، وصادرت صلاحيات السلطتين التنفيذية والقضائية. وتجلى هذا واضحا في عمليات الاختطاف الأخيرة، التي مهما سيق من مبررات بخصوصها، تبقى جرائم ارتكبت مع سبق الإصرار .

فاذا حصل ما يخل بالقانون فمن هي الجهة المخولة بتصحيح الوضع ومعالجته ؟ من المؤكد ان لا احد يمتلك الصلاحية الا مؤسسات الدولة، وبعكس ذلك تحل الفوضى بعينها. ولا ينفع هنا التستر خلف أسماء ورموز محترمة ومقدرة من الناس وتحظى باحترامهم، بل ان في تلك الممارسات المرفوضة التي يلجأ اليها البعض إساءة بالغة لتلك الأسماء والرموز، وهي تصادر حق المواطن في ان يقول ما يريد بأشكال سلمية يختارها بنفسه. ومن غير المقبول هنا تماما تنميط حياة الناس وفرض أسلوب معين عليهم، فهذا يناقض الممارسة الديمقراطية التي يقول بها هذا البعض. وذلك ما حصل بالكمال والتمام في عمليات الخطف الأخيرة التي لا يوجد ما يبررها على الإطلاق. وهنا أيضا لا ينفع زج الدين والتدين والحشد المقدر دوره عاليا في هذه الأفعال المستنكرة .

وعليه فان العمل والدعوة الى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية له ما يبرره تماما، وبات الإدراك عميقا لدى شرائح وفئات متزايدة ان هذه الدولة هي المخرج والحل.

وعليه فان شعار: دولة .. دولة مدنية، (ونضيف اليه : ديمقراطية) مطلب آني وملح .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة طريق الشعبص2

الاحد 21/ 5/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here