المَوهبة والموهوب savant الموهبة: مَلكة غيرُ مألوفةٍ, عسيرٌ فهمُها والموهوبُ صاحبُها.

د عبدالحميد العباسي

مِن أينَ تاتي المَوهبة؟  يقول سبحانه: *وخلقنا الانسان في أحسن تقويم* بمعنى أنه لا يمكن ان يكون أحسن من الاحسن, إذ لو حصل ذلك في جانب من القدرات الفكرية او الجسدية للفرد, فلابد ان يكون ذلك على حساب وجه آخرمن تلك  القُدُرات. ولو تَمَعّْنَا في حال ذي موهِبة, لوجَدنا خللا ما في كيانه, ثمنا لما اكتسب. فهذا الطفل او الرشيد المعجزة في الموسقى او الحساب او الرسم او الشعر, إحداها او اكثر, مثلا تجده يعود الى بيته ليطلب مَن يُعينه في اداء حاجاته الاساسية.  قد تاتي الموهبة صاحبَها, عادة, فجأة دون تحضير او تلقين, وتدوم أوتغرب بعد ردح من الزمان, يطول او يقصر. يقول علماء النفس, هذا طفل وعلى حين غرة يعزف ارقى الالحان العالمية وهذا  يافعٌ يرسم لوحاتٍ لا يقدر على مثلها كبارُ الرسامين وهذا صبي يقول شعراً لا يقوى على مثله فحول الشعراء وللآخرَ ذاكرةٌ تفوق التصور وغير ذلك من روائع العلوم والفنون.
تاتي الموهبة لمَن يُبتلى بها وكأنها سَهمٌ من الزرقاء اصاب هدفَه
like a bolt out of the blue  والمتعارفُ عليه ان الزرقاءَ هي السماءُ وذو الخيمة الزرقاء هو ما يُنادي العامةُ به  الذاتَ الإلاهية.
من هوهذا الذي في السماء ويمكن ان يكون اطلق السهم صوب من وُهِب الموهبة؟ لنتذكرالآية الكريمة (أأمنتم مَن في السَماء, الآية 16 السورة تبارك)  ولماذا شخص بعينه يُصَبْ وتسيل اليه بعدها المعرفة*بمقدار* و*بما شاء*, مَن في السماء. لن أُطيلَ في هذا, عِبرَ هذه الفسحة وقد اعود. يقول الباحث *نتلبيك*, في محاولة القاء ضوءٍ على ظاهرة *نزول* الموهبة على البعض, يقول:*للدماغ طواعيةٌ (قدرة الى التكيف) مُدهشة, تُمكنه من مَدِّ *خطٍ ساخن* الى خزين ذكرياتِ ماضٍ سحيق ليَغرُفَ منها الموهوب. ولكن اين كان هذا الموهوب حتى تكون له ذاكرة عما خَبُرَ, من ماضٍ هكذا بعيد؟ نعود مرة اخرى الى وجود الانسان كمفهوم أوفكرة قبل ان يكون جسدا وانه شهد خلق الكون واطلع على نواميس عمله وأنه, في اكتشافاته انما يتذكر ما رأى. في مثل هذا  يُنظِرُعالمُ الفيزياء *بول ديفِس* في كتابه *عقلُ الله *, أي أننا لا نكتشف قوانينَ الكون وحقائقِه, بل نتذكرها  we do not discover we only remember
ومل يجد اصحاب هذا الطرح تعضيد من ان المبدعين والمكتشفين وحملة جائزة نوبل وفطاحل الشعراء انوا غنجازاتهم, اَتوَها وهم في العشريات من اعمارهم ويندر ان يكون احدهم قد قارب الثلاين اي في عمر تكون فيه الذاكرة في عنفوان ام جدتها. أم أننا سنلوذُ بفكرة تناسخ الارواح إذ يجمع مُعظم الفلاسفة والفقهاء ان الروح لا تموت, بل تهيم بعد تحررها من الجسم حال وفاته, تهيم حتى تحطَ (أُمرت ان تحطَ) في هذ الجسد او ذاك, لتمنحَه ملكة صاحبها الاول. هل نحن بحاجة الى استحضار فكرة تناسخ الارواح, لنفسرَ رسوما فريدة  رسَمها مُراهق, رسوم تشبه, الى حَدٍ بعيد وبنفس الجودة, تشبه رسوما وجدت في كهوفٍ في جبال امريكا الجنوبية عمرها الاف السنين وهل يفسر هذا لنا هبوط روح ميكافيلي في ادمغة ساستنا واولي امرنا؟
ان سر طاهرة الموهبة وظهورها المفاجىء لدى الفرد, دون إنذار او تحضير يبقى في بطون الايام لأمدٍ قد يطول.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here