الفقرة 2 من المادة 48.. ما أخبارها؟

علي علي

دأبت الأمم والحضارات منذ بدايات نشوئها على اعتماد لائحة خاصة، تضم الركائز الأساسية لحقوق كل فرد من شرائح المجتمع، وكذلك واجباته وما له وما عليه، والتي صيغت بشكل يحتم على الجميع السير وفقها وتحت أحكامها. وقد أخذت هذه اللائحة بالتطور وفق متطلبات الحياة، وهي آخذة بالازدياد باطراد مع تشعب مفردات المواطن في عيشه، وبالتالي مفردات المجتمع هي الأخرى تتسع وتتعقد، الأمر الذي استوجب تطوير تلك اللائحة بما ينسجم مع المستجدات، تلك اللائحة صار اسمها فيما بعد الدستور. ومفردة الدستور كما يعلم جلنا، هي عبارة مركبة أصلها فارسي، مكونة من مفردتين (دَسْت) وتعني القاعدة، و (وَر) وتعني صاحب، وبذا يكون المعنى الحرفي صاحب القاعدة. وقد أضحى الدستور أساسا لابديل عنه في إصدار القرارات، بشكل يصب في مصلحة البلد على وجه العموم، وكذلك مراعاة مصلحة أفراده من دون تفويت صغيرة وكبيرة، او شاردة وواردة في تفاصيل حياتهم. وقد فرض الدستور قوته على من يروم التصرف حسب مايرغب، وحكم سيطرته على أهواء السياسيين والمسؤولين في مؤسسات الدولة، وأوجب الرجوع الى بنوده ومواده وفقراته حين الاختلاف على أمر، او استحداث آخر في الساحة.
في عراقنا العريق الذي أطلق عليه بعد عام 2003 (العراق الجديد) هناك في الدستور المقر والمعتمد المادة (48) الباب الثاني الفصل الأول، تنص بوضوح كوضوح شمس تموز في كبد السماء، على ما يلي:
” تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد”.
وها نحن نرى الشق الأول من المادة سرعان ما أُسس وشُرع، وصارت له الأولوية والحضور في إصدار القرارات التي ينام ويصحو المواطن على أمل البت فيها والعمل بها. وهذا شيء رائع في العراق الـ (جديد) الذي جثم على صدره عقودا خلت، نظام قمعي دكتاتوري، دستوره كيفي، قراراته مزاجية ، قوانينه مطاطية كما قالها رئيسه إبان حكمه.
هنا أسئلة طرحت نفسها منذ الوهلة الأولى لتأسيس الدولة العراقية الجديدة، ومازالت مطروحة، أسئلة يتعمد كثيرون إرجاء الإجابة عنها بشتى الطرق والسبل، وقطعا لغايات وأهداف أول ما يقال عنا أنها ضد مصلحة المواطن، الأسئلة هي: أين الشق الثاني من المادة (48) من الدستور؟ أين مجلس الاتحاد؟ وماذا حل به؟ وهل هو كما يراه البعض (زايد خير)؟ أم هو (حديدة عن الطنطل) مثل مايحب ان يصوروه للرأي العام!.
مالاشك فيه ان الساعين في عرقلة تأسيس مجلس الاتحاد طيلة هذه السنوات، لهم مآرب يكاد يفقهها تلميذ الابتدائية، وربة البيت الأمية، وحتى (حميدة ام اللبن). إذ الجميع يعلم أن أشد مايخشاه الـ (حرامي) هو الرقيب، ودور مجلس الاتحاد لو قدر له ان يؤسس، سيكون العين المبصرة لأي (قارش وارش) او ألاعيب وبهلوانيات مجلس النواب، كما سيكون الـ (فلتر) الذي تمر من خلاله القوانين والمشاريع قبل إقرارها، كذلك سيرفع مشاريع قرارات ومقترحات قوانين، تخدم البلاد والعباد الى مجلس النواب بغية إقرارها.
ولكن هذا على مايبدو لايحلو لبعض الكتل، إذ هم بالمرصاد لكل ما من شأنه خدمة المواطن، وهذا مانلمسه في الإخفاق الدائم بالتوصل الى اتفاق حول تشكيل مجلس الاتحاد لاختلاف مطالب الكتل السياسية، باعتراضهم على صلاحياته الواسعة. وقطعا كلما اتسعت صلاحيات الرقيب، انكمشت فرص اللصوص في السرقات، وضاق عليهم الخناق لممارسة نخاستهم ومبيعاتهم المشبوهة، ومادام السارق “مرزوقا” فإن أول مايسعى اليه، هو محاربة الرقيب والمراقب.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here