زيارة ترامب “التاريخيّة” للشرق الأوسط: كثير من اللغط حول لا شيء

مما يؤسف له أن زيارة الرئيس ترامب للشرق الأوسط أكدت فقط شكوكي حول ما يمكن أن ينجم عنها. لقد ذهب ترامب إلى المنطقة ولا شيء في جعبته للتخفيف من حدة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ولم يتلق أي التزام من القادة الإسرائيليين أو الفلسطينيين لاستئناف مفاوضات السلام بجدية، لكنه تلقى الكثير من التفاهات وإيماءات النوايا الحسنة الفارغة.

وفي اجتماعه مع الملك السعودي سلمان وبقية رؤساء الدول العربية سمع ترامب كثيرا ً من الهتاف ضد التهديد الإيراني وانضم إلى الجوقة دون أن يقدم أية فكرة محددة عن كيفية معالجة دعم إيران للمتطرفين العنيفين وطموحاتها في الهيمنة على المنطقة.

ومع ذلك، كان هناك العديد من الصور الفوتوغرافية. وطالب مسؤولون إسرائيليون وعرب على حد سواء بالتقاط صورة مع رئيس محاصر يجد متعة بالغة في حفلات التكريم والتوشّح بالأوسمة في هذه اللحظة ويبذل قصارى جهده لعدم التفكير في السحب المظلمة التي تنتظره في الوطن.

ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة لا تزال القوة التي لا غنى عنها في الشرق الأوسط، وكل دولة تقريبا في المنطقة تعتمد بشكل كبير على الدعم والحماية الأمريكية. ومع ذلك، هذا لا يدلّ على أنّ للولايات المتحدة عصا سحرية ويمكن ببساطة التلويح بها وتغيّر – بين عشية وضحاها –  ديناميات الصراعات المتعددة التي تجتاح وتستهلك المنطقة. لم يكن لدى أي من أسلاف ترامب هذا النوع من السلطة ولدى ترامب حتّى أقل من ذلك.

وخلال اجتماعاته مع المسؤولين السعوديين، لم يقل شيئا ً عن انتهاكاتهم الصارخة لحقوق الإنسان وقيام المملكة بتعزيز التطرف الوهابي الإسلامي. وعلى العكس من ذلك، كان سعيدا لإبرام صفقة أسلحة بقيمة أكثر من 110 مليار دولار، وأصبح أشبه بتاجر الموت من رسولاً للسلام.

وحول العلاقة بين الدول العربية وإسرائيل، لم يقدم ترامب أي وصفة لكيفية التوصل إلى اتفاق سلام شامل. وقال إن “الملك سلمان يشعر بقوة، ويمكننى ان اقول لكم انه يحبّ أن يرى السلام بين اسرائيل والفلسطينيين”.

والحقيقة هي أن الدول العربية تريد السلام بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس حل الدولتين وتشترط تطبيع العلاقات مع إسرائيل على أساس تلك الفرضية التي تم التعبير عنها في مبادرة السلام العربية التي طرحتها الجامعة العربية في عام 2002.

وفيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يبدو أن ترامب قد أدرك أن الصراع أكثر صعوبة مما كان يفكّر به عندما قال: “لا يوجد مبرّر لعدم وجود سلام بين إسرائيل والفلسطينيين – لا مبرّر على الإطلاق”. ولكن بمجرد أن استمع إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، قال: “لقد سمعت انها واحدة من اصعب الصفقات على الإطلاق”.

وفي حين أنه لم يتخذ أية مبادرة لدفع عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية إلى الأمام، تراجع ترامب عن وعده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وطلب من نتنياهو أن يبطئ من وتيرة بناء المستوطنات وتوسيعها، الأمر الذي أغضب نتنياهو وزمرته. أضف إلى ذلك، فقد رفض أن يرافقه خلال زيارته التاريخية إلى الجدار الغربي أي من المسؤولين إلإسرائيليين، وهذا ما أحبط الكثيرين في إسرائيل أيضا ً.

إن التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس عباس بأنهما مستعدان وراغبان في إستئناف المفاوضات هي تصريحات قديمة ومتعبة ولم تأت ِ بأية نتائج أو ثمار.لقد أدلى الطرفان بمثل هذه المشاعر منذ سنوات ، ولا شيء مما قاله ترامب أو فعله سيغير المواقف سواء من طرف عباس أو نتنياهو.

إن نتنياهو غير ملتزم بحل الدولتين، وعباس غير قادر على تقديم أية تنازلات ويحافظ على وجوده سياسيا (إن لم يكن جسديا كذلك). كان بمقدور ترامب أن يحث كلا الزعيمين على اتخاذ بعض التدابير لإثبات التزامهما بالسلام وخلق مناخ موات  يمهد الطريق لإجراء مفاوضات جدية، لكنه لم يحاول حتى القيام بذلك.

ومن بين الاجراءات الاخرى، كان بإمكان ترامب ان يطلب من نتنياهو الإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين والسماح بحرية تنقل الفلسطينيين وفتح الباب للسياحة المتبادلة. وكان بمقدور ترامب أيضا ً أن يتجه إلى عباس لوقف التحريض العام والروايات العامة اللاذعة وإيقاف المساعدات المالية عن أسر الإرهابيين.

وعلى الرغم من أن ترامب يريد صفقة، فقد عيّن زوج إبنته، جاريد كوشنر، والمحامي السابق لمنظمة ترامب، جيسون غرينبلات – وهما من الأفراد المبتدئين الذين يعرفون عن تعقيدات الصراع حتى أقل من ترامب نفسه – لإيجاد حل فشل في إيجاده عدة رؤساء أمريكيّون قبله.

وعلى الرغم من رغبتهم في إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن التهديد الإيراني يفرض مزيدا من الإلحاح على كل من إسرائيل والدول العربية. وقد توصل الجانبان منذ وقت طويل الى ان ايران عدو مشترك وتشكل خطرا حقيقيا على أمنهما الوطنى. وكما يرونه، فبالرغم من أن الصفقة مع إيران قد أخرت سعيها للحصول على أسلحة نووية، فإنّ طهران لا تزال ملتزمة بأن تصبح قوة نووية.

وفيما يتعلق بالقلق إزاء التهديد الإيراني، لم يقل ترامب شيئا ً لم يكن معروفا من قبل. قال مخاطبا ً الإسرائيليين: “هناك إدراك متزايد بين جيرانكم العرب بأنّ لديهم قضية مشتركة معكم فيما يتعلّق بالتهديد الذي تشكله إيران، وهو في الواقع تهديد ، ليس هناك شك في ذلك “.

صحيح أن طهران تعمد إلى زعزعة استقرار المنطقة من خلال دعمها للمنظمات الإرهابية وعن طريق التدخل في الشؤون الداخلية للعرب (سوريا ولبنان واليمن) لخدمة طموحها في الهيمنة. و إسرائيل والدول العربية تتعاون منذ عدة سنوات بشكل استراتيجي من خلال المشاركة في الخدمات الإستخباراتيّة وتطوير التعاون الأمني السري لوقف إيران من تحقيق أهدافها الإقليمية.

وبخلاف التبجّح بقوله: “اننا نقول لكم الآن ان ايران لن تمتلك اسلحة نووية”، لم يقدم ترامب خطوات ملموسة حول كيفية التعامل مع الخطر الايراني. وبدلا من ذلك، شجع الدول العربية السنية على التحالف ضد إيران الشيعية، الأمر الذي لا يمكن إلا أن يزيد من حدة التوتر بين الجانبين ويزيد من زعزعة استقرار المنطقة التي هي بالفعل في حالة من الاضطراب.

ترامب يتجاهل الحقيقة الأساسية أنه بغض النظر عن الأذى والتجاوزات الإيرانية، هي موجودة. وطهران تستجيب لجميع أحكام الإتفاق النووي وانتخبت منذ بضعة أيام للمرّة الثانية الرئيس روحاني، وهو معتدل وأعرب في مناسبات عديدة عن رغبته في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والدول العربية.

ومع ذلك، فإن بيان ترامب للقادة السنة كان: “حتى يصبح النظام الإيراني مستعدا ليكون شريكا للسلام، يجب على جميع الدول  الواعية العمل معا لعزل إيران ومنعها من تمويل الإرهاب والصلاة من أجل أن يأتي يوم يكون للشعب الإيراني فيه الحكومة العادلة والصالحة التي يستحقها “.

بالفعل، وبصرف النظر عن الإعتراض الشديد من  طرف الإسرائيليين والدول العربية على إتفاق إيران، لم يقم ترامب بتمزيقه كما وعد خلال حملته للرئاسة ، وإدارته تواصل الإمتثال الكامل لمتطلبات الصفقة برفع العقوبات على النحو المنصوص عليه في الإتفاق.

الحكمة تملي على الولايات المتحدة أن تبني على صفقة إيران، وأن تعمل مع إيران للمساعدة في وضع حد للحرب الأهلية المروعة في سوريا ووقف حرب الوكالة التي لا معنى لها بين إيران والمملكة العربية السعودية في اليمن والعراق التي لن يخرج أيّ من الطرفين منتصراً منها .

كانت زيارة ترامب للمنطقة مليئة بالثراء والرمزية مع قليل من الجوهر أو حتّى عدمه. لم تحرز الزيارة  أي تقدم في البحث عن حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولا تزال الدول العربية ترفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولم تتلق أية ضمانات بأن الولايات المتحدة ستتعامل مع إيران بقبضة حديدية.

والشيء الوحيد الذي برز من زيارة ترامب هو أنه إستطاع أن يحصل على فترة راحة من الإضطرابات السياسية التي تنتظره في الوطن. وعدا ذلك، كانت الرحلة كثير من اللغط حول لا شيء.

ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

 

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here