أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ (٦)

                            نــــــــــزار حيدر

   {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}.

   إِنَّ الشَّهادة على النَّفس هي أَرقى أَنواع الشَّهادات وأَصدقها، وهو الأَمرُ الذي يحتجُّ بهِ ربَّ العالمَين على عبادهِ! ولذلك فليس بإِمكان أَحدٌ أَن يهربَ من المسؤوليَّة أَبداً إِذا كانت شهادتهُ على نَفْسهِ هي الحاكمة! فكيف سيكذِبُ على نَفْسهِ إِذا أَشهدها الله تعالى؟! والله تعالى يقول؛ 

   {حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. 

   ويقول القرآن الكريم كذلك بهذا الصَّدد {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}.

  فكيف يتجاسرُ السَّاسة الفاسدون والفاشِلون على الله تعالى وعلى شعبهِم؟! فعلى الرَّغمِ من إِعترافهم على أَنفسهم بالفساد والفشل وأَنَّهم [العصابة الحاكمة] سبب كلِّ البلاءات والمِحن التي تعرَّض لها الْعِراقِ منذ التَّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن! إِلّا أَنَّهم لازالوا يخطِّطون للعودةِ الى السُّلطةِ بكلِّ قوَّةٍ بالانتخابات النيابيَّة الجديدة! وكأَنَّ شيئاً لم يكُن؟! أَو كأَنَّهم ليسوا همُ الذين اعترفوا على أَنفسهِم وإِنَّما غيرهُم من فعلَ ذَلِك؟!.

   أَهلُ الغيرةِ لا يفعلونَ ذلك! فماذا تقولون؟!. 

   ينبغي أَن يتذكَّر المرءُ دائماً بأَنَّ المسؤوليَّة الفرديَّة، مسؤوليَّة الذَّات، لم ولن تسقُط مهما تذرَّع الانسانُ بحججٍ وأَعذارٍ هي واهيةٌ في كلِّ الحالات! فلا يتحمَّل أَحدٌ المسؤوليَّة عن أَحدٍ أَبداً وقديماً قيل [لا ينامُ أَحدٌ في قبرِ غيرهِ] أَو [كلُّ واحِدٍ ينامُ في قبرهِ] وهو المعنى المستلُّ، رُبما، من قولِ الله تعالى {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} وقولهُ {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} وقولهُ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} و {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.

   يندم من يحتمي بغيرهِ للتَّهرُّب من المسؤوليَّة، وإِنَّ الفاسدينَ والفاشلينَ الذين يحتمون بأَحزابهِم مثلاً أَو عشيرتهم أَو جماعتهم سيندمونَ في الدُّنيا قبل الآخرةِ! عندما يكتشفونَ متأَخراً بأَنَّهُ لا أَحدَ بالمُطلق يمكنهُ أَن يدافعَ عنهم لحظة تجلِّي الحقيقة!.

   ولذلك فبدلاً من أَن ينشغلُ المرءُ بالتِّبريرِ لنفسهِ، لفسادهِ وفشلهِ، وبدلاً من أَن يشغل نفسهُ بالبحثِ عن [شمَّاعات] يرمي عليها المسؤوليَّة هرباً منها! أَفضل لهُ أَن يُقرِّر تصحيح مسارهُ وتعديل منهجيَّتهُ في العملِ وسلوكيَّاتهُ في الحياة!.

   إِنَّ الوقت الذي يصرفهُ المرء لتبرير إِنحرافاتهِ أَو للبحثِ عمَّن يحمل أَوزاره بدلاً عنهُ! لو يصرفهُ في إِصلاحٍ النَّفس والذَّات لكانَ خيراً لَهُ! ففي يَوْمِ الحساب لا يُجادلُ أَحدٌ عن أَحدٍ وإِنَّما {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

   ولا ننسى فانَّنا سنعودُ يوم القيامة بالصِّيغةِ الفريدةِ التي يذكرها ربُّ العِزَّة في كتابهِ الكريم {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} وقولهُ {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} فلماذا نختفي في الدُّنيا خلفَ من لم ينفعنا يوم القيامةِ لتبريرِ فسادِنا وفشلِنا؟!.

   وعندما يتناسى المرءُ ما تعلَّمهُ ودرسهُ، وينسى دينهُ وتقواهُ لحظة البلاءِ والامتحانِ والاختبار، يسقط في الرَّذيلة! وهو الأَمرُ الذي ابتُليَ به الكثير من [قادة الأَحزاب الدِّينيَّة] الذين تسلَّموا السُّلطة في بغداد بعد عقودٍ طويلةٍ من التَّعليم الدِّيني والثَّقافة الحركيَّة [الاسلاميَّة] إِذا بهِم يتجرَّدون عن كلِّ شيءٍّ لتعرِّيهم السُّلطة وتكشف حقيقتهُم! فأَين تاريخهُم؟! وأَين تلك التَّربية الدِّينيَّة؟! وأَين قال اللهُ وَقَالَ رَسُولُ الله (ص) وقال أَميرُ المؤمنين (ع)؟!.

   لقد كشفتهم السُّلطة وعرَّتهم ليتبيَّن لنا أَنَّ [الشِّعارَ علويٌّ إِلّا أَنَّ الفعلَ أَمويٌّ]!. 

   وصدقَ الله تعالى الذي يقولُ في محكمِ كتابهِ الكريم متحدِّثاً عن هذه الظَّاهرة {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}.

   فما فائدة التَّعليم الدِّيني إِذا لم ينعكس على سلوكيَّات المرء؟! وما فائدة الانتماء الحركي الرِّسالي إِذا نسيهُ أَو تناساهُ وتجاوزهُ وتخطَّاهُ المرءُ في اللَّحظة التي هو بأَمسِّ الحاجةِ إِليهِ؟!.

   ذات مرَّة سأَلتُ أَحدهم عن موقعِ [التَّربية الدِّينيَّة الحركيَّة] التي عمرها نصفُ قرنٍ! من الواقع؟! فأَجابني؛ تِلكَ كانت نظريَّات!.

   {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}.

   ٣١ مايس (أَيار) ٢٠١٧

                            لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here