مبدأ ” ترامب ” وقضايا الشعوب

مبدأ ” ترامب ” وقضايا الشعوب
صلاح بدرالدين

من المظاهر الخاصة المميزة في تاريخ النظام الرئاسي الأمريكي ذي الصلاحيات الواسعة والخاضعة في الوقت ذاته لمعايير ورقابة المؤسسات العريقة للسلطة الاشتراعية وخصوصا الكونغرس ارتباط مراحل معينة باسماء رؤساء كان لهم دور ونفوذ في تبديل وتوجيه سياسات الدولة الرأسمالية الأعظم بالعالم من دون قطع الصلة والتداخل بين حقبة وأخرى فهناك سلسلة متواصلة من ” مبادىء ” رؤساء مثل مبدأ – ترومان – ونص على «أنه حين يهدّد العدوان، مباشراً كان أو مُداوراً، أمنَ الولايات المتحدة الأميركية وسلامتها فعندئذ يكون لزاماً على الحكومة الأميركية أن تقوم بعملٍ ما لوقف هذا العدوان» ومبدأ – آيزنهاور الذي اعتمد«سياسة الاحتواء»، مستعينا بوزير خارجيته الشهير جون فوستر دالاس المعادي للشيوعية وكان الهدف هو إضعاف هيبة الاتحاد السوفييتي السياسية والصين باعتبار أن الأولى هي القوى الرئيسية المنافسة للولايات المتحدة، والثانية القوة الشيوعية الإقليمية المؤثرة في جنوب شرق آسيا.
اما مبدأ – نيكسون – وهو يتلخص في عبارة واحدة وهي «فتنمة» الحرب الفيتنامية، أي تصدير الحرب للفيتناميين أنفسهم، فتتولى فيتنام الجنوبية المحمية من الولايات المتحدة مسؤوليتها في مواجهة فيتنام الشمالية والعودة قليلا الى الوراء يقودنا الى ان الاساس في متغيرات النظام العالمي الراهن، يتمثل في المبدأ الذي أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، والمتضمن ثلاث نقاط: الأولى هي من ليس معنا فهو مع الإرهاب والإرهابيين. والثانية، إعلان الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب في كل زمان ومكان، والنقطة الثالثة، تبني الإدارة الأميركية السياسات الإسرائيلية فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، إذ اعتمدت الإدارة وجهة نظر «اسرائيل» التي تقول «إن أعمال المقاومة هي إرهاب، وأن «اسرائيل» تدافع عن نفسها وهي تشترك مع الولايات المتحدة في محاربته» .
مبادئ هؤلاء الرؤساء (مبدأ ترومن ومبدأ جونسون ومبدأ نيكسون ومبدأ فورد ومبدأ ريغان ومبدأ كارتر ومبدأ بوش الأب ومبدأ بوش الأبن ومبدأ أوباما …)، هذه المبادئ تعبر عن طبيعة نظرة الرئيس المخول شرعيا للقضايا الخارجية ومفاصلها ولاشك أن الرئيس الحالي – ترامب – وبكل خصوصياته الشخصية الفريدة والآتي من عالم المال والأعمال يحمل في جعبته مفاهيم وسبل عمل وتوجهات قد تكون جديدة على المسار التقليدي في نادي الرؤساء الأمريكيين السابقين وفي الوقت ذاته منسجمة مع واقع الحالة المضطربة على الصعيد العالمي وانفلات الارهاب من عقاله وتهديده المباشر لمستقبل البشرية .
فقد ظهر أن المرتكز الأساسي لمبدأ – ترامب – مواجهة الارهاب الايراني في كل مكان واتهامه نظام طهران كمصدر أساسي لأعمال الارهاب والفتنة المذهبية وضرب استقرار البلدان من العراق الى لبنان واليمن مرورا بسوريا وكما يظهر فقد شكل ذلك التوجه ارتياحا في أوساط الوفود العربية والمسلمة ناهيك عن السعودية كبلد مضيف وقد تعهد الرئيس الأمريكي أكثر من مرة وفي أكثر مناسبة على أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تستحوذ ايران على السلاح النووي .
فمبدأ – ترامب – والذي ظهر جليا بشكل أوضح خلال زيارته الخارجية الأولى حيث اتخذ مسارا مدروسا ينم عن البراغماتية والتعامل مع الظواهر كماهي على غرار عقلية السوق والعرض والطلب فقد تضمنت رحلته ثلاثة محطات رئيسية في السعودية واسرائيل والفاتيكان جمعت رمزية الديانات السماوية الثلاث ( الاسلام واليهودية والمسيحية ) والتي قد تفسر جوهر رؤيته الى مضامين الصراع في العالم اليوم على أنه مواجهات دينية وحضارية ( وهو أمر مازال مجال الخلاف والاختلاف ) كما أعلن ذلك مواطنه ( فوكوياما ) قبل نحو عقدين من خلال كتابه – صراع الحضارات .
ولاشك أن مبدأ – ترامب – يتميز بالوضوح ( بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه ) ويستند الى جملة من المسلمات الصريحة والشديدة الوضوح من أبرزها التي أفصح عنها خلال كلمته المرتجلة في المؤتمر ( الاسلامي العربي الأمريكي ) بالرياض أن الغالبية الساحقة من الارهابيين والمتضررين منهم من العالمين الاسلامي والعربي ويجب معالجة ذلك ثقافيا بتعميق الاصلاح في الفكر الاسلامي من الجذور وتصحيح المفاهيم والمناهج وأن لاتنتظر حكومات تلك الدول حتى تحل محلها دولا أخرى في محاربة الارهاب والتطرف وأن تساهم بتكاليف الحرب على الارهاب وأن لاتتردد ولاتنقسم فيما بينها في توصيف ( نظام ايران وحزب الله وحماس ) كقوى ارهابية يجب مواجهتها ومشاركتها أيضا في القوة العسكرية المزمعة تشكيلها ضمن اطار – اتفاق الشرق الأوسط الاستراتيجي – ضد التطرف والارهاب .
مبدأ – ترامب – الذي خيمت تجلياته على زيارته الى السعودية مع كل حواملها الاقتصادية والعسكرية وبرامجها في تنظيم وتفعيل أفكار التسامح والاعتدال ومحاربة التطرف والارهاب ( والايراني بشكل خاص ) ليس فيما يتعلق بالبلد المضيف بل في الخليج والبلدان العربية والاسلامية شكلت تحولا استراتيجيا عميقا في توجه الادارة الأمريكية الجديدة حيال قضايا المنطقة وستكون لها نتائج ايجابية على المدى المتوسط – كما يرتجىيه المتفائلون – على القضية السورية بتضييق الخناق على نظام الاستبداد ووقف العنجهية الروسية وفي لجم المد الايراني المذهبي وبتر جذور – داعش والقاعدة – وكسر شوكة التيارات المغامرة بالرغم من تحاشي المجتمعين بالرياض وخاصة الرئيس الأمريكي ملامسة الحالة السورية بشكل واضح وحاسم وتفادي بحث مسؤولية المحتل الروسي والنأي بالنفس عن التشديد في اعلان اسقاط نظام الأسد .
كما يحمل مبدأ – ترامب – أمرا مستجدا بخصوص التعامل مع جماعات الاسلام السياسي ورأى متابعون ممن تفاعلوا مع رئيس مركز “اعتدال” الذي شيد خلال الزيارة كمؤسسة أمنية اعلامية ثقافية تستهدف الارهاب أن اتهاماته تأتي بمثابة إعلان صريح على “أن المركز لن يركز على مواجهة جماعات العنف المتطرفة مثل داعش والقاعدة فقط، بل سيركز أيضاً على جماعة الإخوان المسلمين، التي أدرجتها السعودية في 2014 على قائمة المنظمات الإرهابية” وقد اعتبر – ترامب – في كلمته حركة – حماس – الاخوانية منظمة ارهابية وبخصوص القضية الفلسطينية أكد أمام الفلسطينيين والاسرائيليين بأنه سيسعى الى تحقيق سلام عادل في المستقبل القريب وهذا التوجه المستجد حال دون حضور الرئيس – أردوغان – ودفع – أمير قطر – الى الاحتجاج واعلان التمرد على بيان مؤتمرات القمم في الرياض .
بخلاف تلك الاشارة السريعة المقتضبة حول مشاركة قواته في محاربة داعش في الموصل الى جانب ” الكرد والسنة والشيعة ” لم يتطرق الرئيس في جميع خطاباته وتصريحاته الى القضية الكردية في المنطقة التي كما يظهر ليست ضمن بنود ( مبدئه ) مع أن الكثيرين كانوا ينتظرون التفاتة الى أوضاع الكرد في العراق وسوريا ومن المرجح أنه تحاشى الخوض في تلك القضية من منطلق الحفاظ على مصالح بلاده وتجنبا للاحراج أمام حلفائه من الدول المعنية بالقضية الكردية وحتى لايستفز أطرافا فاعلة في المنطقة .
بالنهاية ماتم في الرياض هو تجسيد التقاء مصالح آنية وترسيخ آليات لتعزيز الشراكة وادامتها بين الدولة الأعظم والأنظمة الحاكمة في البلدان العربية والاسلامية وتصحيح أمريكي لنهج – أوباما – الانعزالي المسيء للعلاقات الشرق أوسطية ( وقد تفلح أو تخفق ) ومايتعلق بشعوب المنطقة المغلوبة على أمرها مثل الكرد والفلسطينيين والسوريين وغيرهم فقد خبروا العالم والدول العظمى والكبرى والصغرى عبر تاريخهم وتجاربهم الطويلة المؤلمة وواكبوا مراحل وأوقاتا عصيبة تعرضوا فيها الى الكوارث بسبب الصفقات التي تمت على حسابهم من جانب أنظمة وحكومات تلك الدول .
.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here