وُلِدتَ عزيزاً ورحلت عزيزاً

لؤي الموسوي

عزيز العراق؛ عبد العزيز محسن الحكيم اخر انجال مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم “طاب ثراه”، ولده في مدينة باب عِلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) النجف الاشرف حيث مرقد إمام المتقين علي إِبن أبي طالب “عليه السلام”، في عام 1950 من القرن الماضي، من اسرة علوية عُرفت بالعلم والتقى والجهاد والشهادة.
نشأ رحمه الله في كنف والده الامام الحكيم “قدس سره”، فتغذى من مناهل ابيه مرجع الطائفة وكذلك من مناهل النجف الاشرف حيث العلم والصمود، فمنذ نعمومة اظفاره التحق بمدينة العلم حيث الحوزة العلمية، ليتغذى من علومها ومعارفها، فدرس المقدمات في مدرسة العلوم الاسلامية التي اسسها والده “قدس سره” والتي كانت باشراف اخيه شهيد المحراب “رحمه الله”، وبعدها انهائه لمرحلة المقدمات انتقل لمرحلة السطوح فتتلمذ على ايدي من اساتذة الحوزة كاخيه شهيد المحراب محمد باقر الحكيم واخيه الشهيد عبد الصاحب الحكيم وكذلك على يد محمود الهاشمي في الفقهة والاصول، فبعد اكماله لهذه المرحلة انتقل الى مرحلة البحث الخارج فقهاً واصولاً لدى الشهيد محمد باقر الصدر “قدس سره” وحضر ايضاً عند استاذ الفقهاء الامام الخوئي “قدس سره الشريف”.
جهاده العسكري والسياسي

بعد صدور الفتوى الشهيرة لشهيد محمد باقر الصدر في الاوساط الحوزوية خاصة والعراق عامة، بالتصدي للنظام البعثي من اجل ازالة الكابوس عن صدر العراق، وذلك باعتماد الكفاح المسلح ضد نظام صدام ايام تواجده بدتخل العراق، وازداد نشاطه وكفاحه بعد هجرته من العراق فأسس مع مجموعة من المجاهدين والمتصدين لنظام صدام حركة جهادية عِرفت بِأسم حركة المجاهدين العراقيين وكان ذلك في مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي في المهجر.
مارس العمل السياسي والتصدي العلني لنظام صدام، فكان من المؤسسين لحركة جماعة العلماء المجاهدين في العراق، ثم  كعضو في الهيئة الرئاسية في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، الى ان اصبح رئيساً للمجلس الاعلى بعد استشهاد اخيه شهيد المحراب “قدس سره”، فكان العين الساهرة على العراق وشعبه والصوت الذي صك مسامع سلطة البعث بكشف زيفها وفضح الجرائم التي ارتكبها طاغية العراق صدام امام انظار العالم اجمع.
لم يشغله العمل السياسي والعسكري بالرغم من كثرة مهامه ومسؤولياته الجِسام ان يغفل عن العمل بحقوق الانسان، حيث شرع في العمل في هذا المجال بعد ان لاحظ وجود فراغ كبير في هذا المجال، وادرك ان هذا الجانب يجب الاهتمام به لما له صدى واسع في كشف حجم الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب العراقي، ولكون الاعلام بداخل العراق مغيب عن العالم الخارجي، فبادر  بتأسيس “المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق” وهو مركز يعني بتوثيق انتهاكات وجرائم ارتكبها حزب البعث بحق الشعب العراقي في تلك الحقبة المظلمة، وقد تطور هذا المركز وتوسع حتى اصبح مصدراً رئيسياً لمعلومات لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة.

عمل “رحمه الله” في مجال الاغاثة الانسانية وتقديم الدعم والعون للعراقيين في مخيمات اللاجئين العراقيين في ايران، وعوائل الشهداء العراقيين في داخل العراق، وكانت هذه المساعدات تصل الى داخل العراق ايام النظام الارهابي البائد.
مظلوميته “رحمه الله” فيها وجه من وجوه التشابه من مظلومية جده الامام الحسن المُجتبى المسموم “ع”، مثلما ظُلم الامام “ع” من القربين والبعيدين له، ايضاً عزيز العراق لم تقتصر مظلوميته على جهة معينة فحسب، بل انه ظُلم “قدس سره” من القريبين والبعيدين المُحب والمخالف له، من المُحب لعدم فهمه له، ومن المخالف فوجهت له الاتهامات الباطلة والاكاذيب المفضوحة التي يستخدمها ويسوقها اعدائه لنيل منه، لا لشيء سوى لانه رجل ناجح في مشوار حياته ولحمله لهموم وتطلعات شعبه المظلوم فوجهت اليه سِهام الحسد والحقد معاً، وبالرغم من هذا وذاك لم يستطيعوا النيل منه، ما كان لله ينمو.
ولِده عزيزاً ورحل عزيزاً في قلوب محبيه ومريديه، لانه رجل لم يكن يعمل لنفسه، فجند روحه الطاهرة لله اولاً و للعراق وشعبه ثانياً، فصدق مع الله ومع شعبه فخلد الله ذِكراه في قلوب محبيه، هنالك عروش تهوى وتذهب بمرور السنين لان اصحابها لم يعملوا لله ولشعوبهم فمجرد رحيلهم هوت عروشهم ولم يخلدهم التاريخ ولم يذكرهم الا واللعنات تلاحقهم، بينما عباد الله الصالحين الذين نذروا انفسهم لله ولشعوبهم جعل الله عروشهم في قلوب الاحرار.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here