أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (١٢)

                                                                                          نــــــــــزار حيدر

   {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.

   إِنَّهم الاتِّكاليُّون الذين يريدونَ الانجاز جاهزاً يرفضونَ المساهمةَ فيهِ إِذا كان في طيَّاتهِ أَقلُّ أَذىً وأَدنى تعب!.

   والمُضحك فيهم أَنَّهم يجلسون جانباً ويوزِّعون الأَعمال والمسؤوليَّات على الآخرين، بمن فيهم نبيّ الله موسى (ع) مثلاً! من دونِ أَن يشملهُم شيءٌ منها!.

   خَيْرٌ لك أَن تجد مكانك في الانجاز والمشروعِ من أَن تشغل نفسكَ بتوزيعِ المهامِّ والواجباتِ!.

   الآخرونَ يعرفونَ واجباتهم! بقيَ أَن تعرف أَنتَ واجباتك!.

   إِنَّهم يتصوَّرون أَنَّ الاصلاح والتَّغيير وتجاوز التَّحدِّيات أَمرٌ سهلٌ يمكن تحقيقهُ بالتَّفرُّج على الآخرين أَو بالتهرُّب من المسؤوليَّة أَو بالدُّعاءِ والاتِّكال فقط، متغافلينَ عن قول الله تعالى؛ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وقولهُ {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}.

   إِنَّ أَبسط الأَشياء وأَتفهَ العقبات لا يتجاوزها المرءُ إِلّا بالاختبار! فكيف يريدُ البعض أَن يتجاوز الحياة بِلا إِختبارٍ؟! ويرى الانجازَ بلا مشاركةٍ؟! خاصَّةً أُولئك الذين يتصدَّرون المشهد العام ومِن أَيِّ نوعٍ كان؟!.

   أَلا ترَون التِّلميذ لا يتقدَّم في صفوفهِ عاماً بعد عامٍ إِذا لم يتجاوزَ الاختبار بنجاحٍ؟! ومن يريدُ أَن يقودَ السيَّارة لا يحصل على إِجازة السَّوق قبل أَن يجتازَ الاختبار بنجاحٍ؟! وهكذا في كلِّ شؤونِ الحياة! فهل يُعقلُ أَن تتحقَّق الحياة الكريمةِ والسَّعيدة بلا إِمتحانٍ ومِن دون إِختيارٍ؟!.

   هذا نوعٌ من النَّاسِ، وهناكَ نوعٌ آخرَ من النَّاسِ أَمرهم أَكثر غرابةً من هؤلاء، إِنَّهم؛

   لا يُساهمون في الانجاز بانتظار النَّتيجة فاذا كانت إِيجابيَّة إِدَّعَوا أَنَّهم ساهموا بطرْفٍ خفِيٍ في تحقيق النَّجاح والانجاز، إِلَّا أَنَّ الآخرين لم يشعروا بمساهماتهِم وبدورهم! أَو أَنَّهم شعروا ولكنَّهم أَخفَوهُ حسداً وغيرةً!.

   أَمَّا إِذا كانت النَّتيجة سلبيَّة فيقولون؛ لقد توقَّعناها منذُ البداية فاشلة ولذلك لم نُساهم ولم نشجِّع ولم نشترك في مقدِّماتها!.

   قلنا لهم ولكن لم يسمعوا منَّا! كذلك حسداً وغيرةً!.

   يُحدِّثنا عنهم ربُّ العِزَّة بقولهِِ {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.

   أَو قولهُ تعالى {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا* وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

   هؤلاء شعارهُم [الصَّلاة خلفَ عليٍّ أَتمّ والقُصعة مع مُعاوية أَدسم والوقوفُ على التلِّ أَسلم] ومع ذلك ينتظرون من الآخرين أَن يمدحونهُم على شيءٍ لم يفعلوهُ!.

   يقولُ تعالى {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

   وهذا الصِّنف من النَّاسِ أُمنياتهُم أَكثر من عملهِم، واستنتاجاتهُم أَكثر من واقعهِم، وهي الصِّفة التي نجدها كثيراً عندنا نحنُ العراقييِّن، فترانا نُراقبُ أَحداث العالَم فكُلّما وقَعَ شيءٌ إِيجابيٌّ في الشَّرقِ أَو الغرب تمنَّينا لو يحصل الشَّيء نَفْسَهُ عندنا في الْعِراقِ! من دونِ أَن نأخذَ بنظرِ الاعتبار مقدِّمات هذا الحدث أَو ذاك وظروفهُ التي أَنتجتهُ!.

   ننظرُ الى الجزءِ الظَّاهر من جبلِ الثَّلج كما يقولون ونتمتَّع بالسَّاعتَين التي يستغرقها الفيلم في صالة السِّينما مُتغافلينَ عن الأَشهُر وربما السِّنين التي تستغرقها صناعتهُ خلفَ الكاميرا وخلفَ الكواليس في مشاهد ربَّما ضحَّى فيها كثيرون وهم يمثِّلون ويصوِّرون ويسجِّلون!. 

   إِنَّ الانجاز يعتمد على الزَّمكان وعلى الظُّروف الموضوعيَّة! أَمَّا الذين ينتظرونهُ بلا حسابٍ دقيقٍ أَو ينتظرونهُ ليأتي على يدِ الآخرين من دونِ أَن يكونَ لهم دورٌ! فهذا ما لم يخلقهُ الله تعالى إِلّا كما يشتهي من يصنعهُ وليس كما يشتهي الاتِّكالي الذي يريدُ إِنجازاً حسْب مقاساتهِ بلا أَن يشتركَ في تحقيقهِ!.

   ٦ حزيران

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here