أزمة قطر والسعودية أزمة الغربان!

علاء كرم الله
لا زالت أرتدادات الزلزال السياسي الذي ضرب منطقة الخليج مؤخرا والمتمثل بالأزمة السياسية الحادة بين قطر والسعودية يثير الخوف لدى شعوب المنطقة الخليجية من أستفحال الأزمة وتطورها أكثر، ولربما يصل الى حد التدخل العسكري السعودي ومعها بعض دول الخليج!، ولا نستبعد ذلك من هذه الدول المعروفة بجبنها وخبثها ومن السعودية تحديدا التي تستأسد على باقي الدول الخليجية معتبرة نفسها زعيمة عليهم!، لا سيما والكل يعرف تماما أن هذه المنطقة طالما تعيش فوق صفيح ساخن، لكونها المنطقة الأغلى بتروليا في العالم، وبنفس الوقت من أكثر المناطق التي شهدت حروب ونزاعات، ويبدوا أنها ستظل هكذا الى عشرات السنين القادمة!. وقبل الدخول في صلب هذا الموضوع، لابد من الأشارة بأن أية أزمة أو خلاف بين الدول العربية سواء اكان بين دول منطقة الخليج أو بين باقي الدول العربية هو يصب بالتالي في مصلحة أسرائيل اولا وأخيرا ويزيدها أمنا وقوة، وكذلك يعطي أكثر من ذريعة لأمريكا للتدخل في شؤون هذه الدولة العربية أو غيرها بأعتبارها سيدة العالم، وشيخ الحارة الذي يخضع الجميع تحت سلطته!. من جانب آخر أظهرت هذه الأزمة الخليجية المفاجأة! مدى هشاشة العلاقات بين هذه الأنظمة الهزيلة التي طالما عرفت بخستها وأنصياعها الأعمى لأمريكا ودول الغرب، والتي طالما كانت عنوانا للعمالة وسيفا بيد أمريكا والغرب وأسرائيل لتحطيم الأمة العربية!. المضحك في هذه الأزمة التي لا يعرف الأسباب الحقيقية لها؟ سوى تحليل هنا ورأي هناك، أن الطرف الرئيسي في الأزمة وهي السعودية تتهم دويلة قطر بأنها تدعم الأرهاب في المنطقة!!(هناك الكثير من الأدلة تؤكد بأن دويلة قطر تدعم منظمة حماس الفلسطينية المدرجة على لائحة المنظمات الأرهابية عالميا وكذلك دعمها للأخوان المسلمين في مصر). وتناست السعودية نفسها وكل تاريخها المشين والقذر وكل عمالتها وكل عهرها السياسي، بأن العالم كله يعرف بأنها مصدر الأرهاب و المدرسة الأولى له في العالم!. والمثير للضحك أكثر أن الرئيس الأمريكي (ترامب) يؤيد ما ذهبت أليه السعودية بأتهامها لقطربأنها تدعم الأرهاب!، متناسيا هذا العاهر الآخر بأن (الكونغرس) الأمريكي بنوابه الديمقراطيين والجمهوريين أصدر وفي الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي السابق (أوباما) قرارا بأدانة السعودية على خلفية أحداث 11/ سبتمبر/ أيلول من عام 2001 ( سقوط برجي التجارة الأمريكي في واشنطن) والذي يعتبر من أكثر أعمال العنف الذي تعرضت له أمريكا في تاريخها وكذلك يعد من أقوى الأعمال الأرهابية التي شهدها القرن العشرين!، حيث أثبتت التحقيقات بأن (14) شخص من أصل (19) شخص ممن نفذوا العملية الأنتحارية الأرهابية هم سعوديون!، ونص القرار بأن على السعودية أن تدفع تعويض (دية)! عن (3300) أمريكي سقطوا من جراء ذلك العمل. وقد أزدحمت مواقع التواصل الأجتماعي والفضائيات وباقي وسائل الأعلام بالكثير من التحليلات السياسية على ضوء أزمة (الغربان)! السعودية القطرية الذين يتهمون بعضهم البعض بدعم الأرهاب (غراب يكل لغراب وجهك أسود!) كما في امثلتنا الدارجة. حيث يرى البعض أن سبب أنفجار هذه الأزمة السياسية هو تمرد قطر ورفضها الأذعان للسعودية التي تعتبر نفسها وصية على باقي الدول الخليجية! وبعدم دفعها لحصتها من المبلغ المقرر دفعه لأمريكا! حيث طالب الرئيس الأمريكي (ترامب) قبل قيامه بزيارة السعودية واعلن ذلك وعلى رؤوس الأشهاد وبأعلى الصوت، بأن على دول الخليج أن تدفع (1500 ) ألف وخمسمائة مليار دولار لأمريكا!!، وحدد (السعودية والأمارات وقطر) بذلك. أرى بأن زيارة (ترامب) للسعودية هي أكبر زيارة أبتزاز بين الدول عرفها التاريخ السياسي الحديث!، حيث عاد الرئيس الأمريكي (ترامب) من زيارته وفي جعبته (500 ) مليار دولار وأكثر من 800 مليون دولار قيمة هدايا قدمت له ولزوجته وأبنته اللتان كانتا برفقته، حيث حصل عليها في خلال يومين فقط هي كل مدة الزيارة!!. العالم كله فهم مغزى تصريح الرئيس الأمريكي (ترامب) لدول الخليج فقد كانت الرسالة واضحة تماما لحكام وملوك وأمراء تلك الدول الفئران! فأما أن تدفعوا أو نزيلكم من على الخارطة!. والسؤال هنا، هل أن أمير دويلة قطرلم يفهم رسالة (ترامب)؟ وهل يعقل أن دويلة قطر وصل بها الخيال والوهم أن تتحدى الأرادة الأمريكية؟ الجواب طبعا كلا وألف كلا. أذا ما السبب الحقيقي وراء الأزمة؟. ذهب البعض من المحللين السياسيين بأن الأزمة ليست موضوع عدم دفع قطر لحصتها من المبلغ الواجب دفعه لأمريكا!، بل سببها ( الغاز الطبيعي) الذي سيكون الطاقة البديلة للنفط في المستقبل القريب والذي يشكل أحد محاور الصراع بين الدول الكبرى بين أمريكا وروسيا الأتحادية على وجه الخصوص، لا سيما وأن دويلة قطر تعتبر الأولى عالميا في أمتلاكها للمخزون الهائل من أحتياطي الغاز!، ومن الطبيعي لا بد من السيطرة عليه تماما من قبل أمريكا والغرب وبمساعدة دول الخليج! الخاضعة أصلا للنفوذ الأمريكي، هذا أذا علمنا بأن هناك منافس آخر خطير وقوي وهو روسيا الأتحادية التي تمتلك هي الأخرى مخزون كبير من الغاز الطبيعي، والتي تريد هي الأخرى أن تسيطر على منابع وجود هذا الغاز!. وهنا لابد أن نتذكر بأن النفط ومناطق أنتاجه شكل أحد محاور الصراع والحرب الباردة بين أمريكا والأتحاد السوفيتي السابق في القرن الماضي، والآن يعاد نفس السيناريو ولكن ليس بالنفط بل بالغاز الطبيعي وهذه المرة بين أمريكا وبين روسيا الأتحادية وريثة الأتحاد السوفيتي السابق!، حيث يمثل الغاز الطبيعي محور الصراع والخلاف في الجبهة (الروسية السورية الأيرانية العراقية) من جهة مقابل الجبهة (الأمريكية الخليجية السعودية تحديدا من جهة أخرى). ولا ننسى هنا دور تركيا التي دخلت على خط الأزمة، لأن موضوع الصراع على الغاز مهم بالنسبة لها حيث أن تصدير الغاز الطبيعي القطري لا بد أن يمر عبر أراضيها أو موانئها ومن ثم الى العالم، فهي الرابح في كل الأحوال!،ولابد لها من موقف في دعم قطر! لا سيما أذا عرفنا أن 80% من المواد الغذائية التي تدخل الى قطر تأتيها من دول الخليج! فأستغلت تركيا الحصار الذي فرضته السعودية على قطر، وسرعان ما دفعت بمئات الشاحنات والبواخر التركية الى قطر لتغطي النقص في السوق القطرية من المواد الغذائية وغيرها من المواد الأخرى!.ونفس الشيء فعلت أيران التي دفعت هي الأخرى بمئات الشاحنات الغذائية لقطر، بعد أن أظهرت قطر أخيرا تقاربا واضحا  لمحور روسيا وأيران وسورية والعراق!. نعود لصلب الموضوع حيث لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الأزمة التي جعلت الموقف في المنطقة الخليجية وفي العراق وفي سوريا واليمن وليبيا يزداد غموضا أكثر لكون احداث المنطقة مرتبطة ببعضها البعض لا سيما وأن هذه الدول تخوض الآن حربا مع تنظيمات ما يسمى بدولة الخلافة الأسلامية الأرهابية (داعش)، والذي زاد المشهد غموضا أكثر هوتعرض أيران القوية في خضم هذه الأحداث الى هجوم أرهابي تبنته (داعش)، لم يسبق أن تعرضت له منذ قيام ثورتها عام 1979! وفي مكانين يمثلان رمزية مقدسة لدى الأيرانيين وهما ضريح الأمام الخميني قائد الثورة ومؤسس جمهورية أيران، ومبنى البرلمان الذي يمثل الشعب!، حيث توعد رئيس الأركان الأيراني القيام بهجوم جوي على داعش أينما كانت لم يشهده العالم من قبل!!.والسؤال هنا، هل لأمريكا مصلحة في خلق مثل هذه الخلافات والنزاعات بين دول الخليج من أجل أخضاعها لهيمنتها وللتدخل في شؤونها أكثر؟ الجواب نعم وهذا ما اراه من وجهة نظري!، فقد عملت أمريكا ومعها الغرب وبعد أنتهاء حرب أكتوبر عام 1973 الى شق وحدة الصف العربي وقد نجحت بذلك الى حد كبير وذلك بخلق حروب عربية عربية ولم تكتفي بذلك بل نجحت في السنوات الأخيرة الى خلق حروب وصراعات طائفية في البلد الواحد وبين البلدان العربية، حروب سنية شيعية، ثم سنية سنية وشيعية شيعية وأسلامية مسيحية!، فما المانع ولماذا يستبعد أن تخلق حرب خليجية خليجية؟! ما دام كل ذلك يصب في مصلحة وأمن أسرائيل، والمصالح القومية العليا لأمريكا؟. أرى أن امريكا نجحت في دق أسفين الخلاف بقوة بين دول الخليج الذين طالما عرف عنهم بأنهم أصحاب القرار الواحد تجاه الكثير من الأحداث التي مرت على المنطقة منذ سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي ولحد الآن! وهذا هو المطلوب، أضعاف كل العرب وأخضاعهم للسيطرة الأمريكية والغربية لأستمرار أبتزازهم وحلبهم!. أخيرا نقول: أن أزمة الخليج القطرية السعودية بقدر ما كشفت بأنها أزمة غربان سوداء!، فهي بنفس الوقت كشفت كم السياسة عاهرة وخاصة عندما يكون أطرافها السعودية وباقي دول الخليج ومعهم أمريكا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here