العرب من خلال قطع العلاقات السعودية القطرية

معمر حبار

وصلتني البارحة عبر العنوان العنكبوتي الشخصي، رسالة من journal acheraf، يقول فيها:

” السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الاستاذ  معمر حبار حفظه الله، أستاذنا الكريم

دخلت الانترنت وأنا متلهف وأنا شغوف وأنا مشتاق وأنا أنتظر مقال يتحدث عن الازمة الخليجية الحالية، ونحن نعلم حيادك الصريح الذي لا غبار عليه تجاه القضايا

أستاذنا الكريم، انفعنا بمقال حول الازمة الخليجية الحالية بالمنظور الجزائري الحكيم تخص فيه النصح للجزائري البسيط وتخص فيه النصح للحكام في الجزائر كما عودتنا

أتاذنا الكريم بارك الله فيكم وجزاكم خيرا”.
وبعد الشكر والثناء على الثقة الممنوحة للجزائر والجزائري، إستوجب التذكير بأنه قبل التطرق إلى الدروس المستخلصة فيما يتعلق بقطع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة السعودية والمملكة القطرية، وجب التذكير أننا ننظر إلى المسألة نظرة جزائري يحب إخوانه السعوديين ويحب إخوانه القطريين ويتمنى لهم الخير كله ويسعى إلى ذلك سعيا، لكنه لا يميل لأحد ضد أحد، ولن يكون نصيرا لأحد ضد أحد، ولا يمكنه بحال أن يستعدي الأجنبي ضد إخوانه أبدا، بل يرد عنهم إن استطاع إلى ذلك سبيلا، ومن بين هذه الملاحظات:

1.    السرعة الفائقة في اتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية والكم الهائل من القرارات التي أعقبت قرار القطع، ما يدل على أن العربي إرتجالي بطبعه في اتخاذ قراراته ولو كانت مصيرية كقطع العلاقات الدبلوماسية.

2.    المتأمل  في النقاط التي ميّزت قرار قطع العلاقات الدبلوماسية، يجدها إملاءات وشروط من 10 نقاط ثم من 50 نقطة، وبغض النظر عن محتوى النقاط فإن منطق الإملاءات لا يتماشى مع منطق العصر، ويتنافى وسيادة الدول.

3.    فشل مساعي مملكة الكويت لحل النزاع السعودي القطري يدل على غلق ملف الوساطة، والمعروف أنه أثناء قطع العلاقات الدبلوماسية تترك نافذة ولو صغيرة للوساطة، لعله يوجد حل للخلاف أو التخفيف من حدّته، وهذا ما لم يحدث.

4.     المتأمل في الشروط المفروضة على المملكة القطرية وبغض النظر عن محتواها، يدرك جيدا أنها إعلان حرب ضد الجار والأخ القطري وليس قطع العلاقات الدبلوماسية، فيمكن القول أن قطر تعيش الآن تحت وقع صيحات الحرب التي لا نتمناها ولا نرضاها لإخواننا السعوديين والقطريين.

5.    يبدو أن الصراع السعودي القطري أخذ بعدا دوليا بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وإيران وتركيا من جهة أخرى، وهذا التدخل قد يزيد من عمر الصراع ويغذي نيرانه.

6.    لن ألوم أبدا التاجر التركي والتاجر الإيراني في استغلال الوضع لصالحهما، فهذه طبيعة التجار المهرة الذين يغتنمون الفرص لتسجيل أهداف وتحقيق أرباح، لكني ألوم وبشدة السعودي والقطري وغيرهم من العرب في منح الفرصة بالمجان للأعجمي الأجنبي.

7.    لم نسمع ولم نقرأ عن نقل كلا من السعودية أو قطر لقضاياهم إلى القضاء، رغم قساوة القرار السعودي والخسائر التي لحقت حاليا وربما مستقبلا بقطر، ما يدل على أن العرب لا يحبذون اللجوء للقضاء في حل خلافاتهم رغم نتائجه الإيجابية ومساهمته الفاعلة في حسم الصراع أو النزاع أو الخلاف، ولا عجب بعدها إن طال الخلاف، واشتعلت الحرب، وامتدت وأكلت الأخ والجار وذوي القربى.

8.    أن تقطع العلاقات الدبلوماسية هذا شأن المملكة السعودية والمملكة القطرية وعلينا احترام القرار، لكن ليس من شأن قطع العلاقات إملاء دفتر شروط لا يطيقه العدو والبعيد فكيف بالقريب والأخ.

9.    الإصرار القطري على عدم تلبية دفتر الشروط كما يسميه إخواننا في السعودية وقد سمعته عدة مرات عبر الفضائيات السعودية يدل على أن قطر ليست بالصغيرة التي كنا نعتقد، والضعف الفضيع الذي ظهر على قطر من حيث حاجاتها من المواد الغذائية، والخضر، والفواكه، والمياه وحاجات أساسية أخرى ستظهر لا محالة فيما بعد، يدل على أن قطر ليست بالكبيرة كما روّجت لنفسها عبر فضائيتها القطرية.

10.                                                                              لا يمكن بحال للمتتبع أن يبرر للمملكة السعودية أو المملكة القطرية في اتهام بعضهما بعضا بغض النظر عن شكل ولون الاتهامات والاتهامات المضادة، لكنه يسجل إستنكاره لاستعمال الأساليب غير الشريفة، وتجييش الإعلام، وتحريض الأتباع، والاستقواء بالأجنبي.

11.                                                                              من مآسي العرب إستخدام الدين لأغراض سياسية والتبرير لسلوكات سياسية، واستعانة السعودية وقطر بالدين والفقهاء لدعم موقف كل منهما والدعوة إليه، وتشويه صورة الآخر باسم الدين والدين منه براء، يدل على تكريس التبعية المطلقة من قبل الفقهاء للسلطان، وإطالة عمر الصراع، وإضفاء طابع ديني لصراع يحدث باستمرار بين الدول، ويمكن حله دون إقحام الدين والفقهاء.

12.                                                                              تسعى قطر لأن تكون منافسا للعرب والعجم، وتسعى السعودية لعدم تقبل أيّ منافس ينافسها في الريادة الدينية والمالية والنفطية والتجارية، وهذا من الأسباب غير المعلنة لقطع علاقاتها مع قطر، لأنها ترى فيها المنافس الإعلامي، والديني، والنفطي، والتجاري، وهذا ما لا تقبله السعودية بحال، ولو كان المنافس أخا وجارا وصغيرا كمملكة قطر.

13.                                                                               لن نذيع سرا إذا قلنا أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة السعودية والمملكة القطرية، جاء بعد 14 يوم من زيارة ترامب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية للسعودية، وهذا مؤشر يمكن تفعيله وتوظيفه لمن يملك معلومات عنه.

14.                                                                              يبدو واضحا أن النجاح القطري مع ما يعتريه من سوء ونقص لم يعجب الجار والأخ السعودي، فكان دفتر الشروط إحدى الوسائل لكبح نجاح الأخ والجار، بغض النظر عن بعض المساوىء والنقائص التي رافقت النجاح القطري.

15.                                                                              بقدر احترامنا لقرار قطع العلاقات الدبلوماسية من طرف المملكة السعودية لأنه شأن داخلي لا يحق التدخل فيه، بقدر ما نستنكر قطع الماء والهواء عن الأخ والجار في مملكة قطر وفي شهر رمضان، فهذا عمل لا يليق بالشهر العظيم، ولا يليق بالإخوة والجيران.

16.                                                                              للملكة السعودية مفتي نختلف معه في نظرته السياسية، وللمملكة القطرية مفتي نختلف معه في نظرته السياسية، ولا يمكننا بحال أن نأخذ برأي أحدهما فيما يتعلق بالتبرير للموقف السعودي أو الموقف القطري، بل نستنكر التبرير للسلطان وأيّ كان السلطان باسم الدين.

17.                                                                              الجزائري بطبعه لا يقبل الحڨرة ولو كانت ضد خصمه وعدوه، ورغم أننا نختلف مع قطر في بعض النقاط، ونختلف مع الفضائية القطرية في الصمت الممارس فيما يتعلق بالداخل القطري والتحريض لقضايا بعينها دون إنكار بعض إيجابياتها، ونختلف مع القرضاوي  في مواقفه السياسية الدموية التي كان سببا فيها، إلا أن الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المملكة القطرية وقطع الأرزاق في شهر رمضان، والتجويع، والتركيع، والإذلال والاحتقار، يدفعني كجزائري إلى التنديد بالحڨرة التي تتعرض لها قطر للأسباب التي ذكرت.

18.                      تركيا ليست عدوة لنا وإيران ليست عدوة لنا، فكلاهما دولتان قويتان ويحملان رصيدا تاريخيا بغض النظر عن لونه وشكله، ويمكن للجزائر أن تستفيد منهما في مجالات عدة وتوسيع نطاق الشراكة إلى مجالات عديدة كثيرة، وبمقدورنا أن نفيدهم بما نملك ونستطيع، ويبقى التذكير بأخطاء وجرائم إيران وتركيا في سورية والعراق، والدماء التي كانوا سببا فيها دون الدخول في الدواعي والأسباب التي تعني المعنيين.

19.                      السعودية ليست عدوة لنا وقطر ليست عدوة لنا، فكلاهما إخوة لنا وأحباب لدينا، ويجمعنا بينهما أكثر مما يفرق، ونسعى لترسيخ العلاقات التجارية معهما، وتوسيع دائرة الشراكة بين الإخوة. ويبقى التذكير بجرائم السعودية ضد فقراء ومساكين اليمن، ومحاربة مرسي الرئيس المنتخب، وبذل المال الطائل لاعتقاله وسجنه وهو المنتخب بغض النظر عن أخطائه التي كتبنا عنها في حينها، وكذا بعض تصرفات قطر السيّئة وفضائيتها المشينة أحيانا، وفقيهها  بمواقفه السياسية الدموية التي أحرقت بعض البلدان العربية.

20.                      العلاقات السياسية والدبلوماسية لا تقام بزر ولا تقطع بزر، فهي نتاج لعوامل متراكمة عبر الزمن والسلوك والجغرافية والتاريخ، فلا داعي القول أن من ليس معي فهو ضد الدين، ومن هو في صفي فهو يمثل الإسلام، فكل يتحدث عن نفسه ومواقفه وليبعد الدين عن الصراعات السياسية، فلا المملكة السعودية تمثل الدين كما أنزل ولا المملكة القطرية تمثل الدين كما أنزل، ولا يوجد دولة عربية على الإطلاق ودون استثناء من تزعم أنها تمثل الدين كما أنزل.

21.                      أكتب هذه النقاط وأنا أسمع الآن عبر فضائيات عربية وأعجمية عن تصاعد رهيب نحو الزيادة في الرفع من إيقاع التوتر من طرف المملكة السعودية والمملكة القطرية، وغلق منافذ الوساطة، وتجميد الحوار بين الأخ السعودي والأخ القطري، آملين أن يعود الإخوة إلى مائدة الإخوة دون تصلب ولا شروط.

 

الشلف – الجزائر

معمر حبار

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here