أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (١٦)

                               نــــــــــزار حيدر

   {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}.

   لقد جيَّش الأَمويُّون الأَقلام المسمومةِ والعمائِم الفاسدة والفتوى المأجورة للطَّعن بالإمامِ الحَسن المُجتبى السِّبط عليه السَّلام من خلالِ إِثارة الشُّبُهات حول حياتهِ الشَّخصيَّة ونشر الأَكاذيب والافتراءات والطَّعن بسيرتهِ وصفاتهِ وكذلك من خلالِ سرقةِ علومهِ ونسبتَها الى الآخرين في محاولةٍ منهم للتَّقليل من شأنهِ وتضعيفِ شخصيَّتهِ عليه السَّلام!.

   ولم يتعرَّض إِمامٌ من أَئِمَّة أَهل البيت عليهِم السَّلام للظُّلم والافتراء على يدِ أَعدائهِ، الأَمويُّون تحديداً، كما تعرَّض الامام الحَسن السِّبط (ع)! لماذا؟!.

   لأَنَّ الامام عليه السَّلام عرَّض شرعيَّتهم للخطر وجعلَها تحتَ طائلةِ السُّؤال والتَّشكيك! على مرِّ التَّاريخ، على اعتبارِ أَنَّ سُلطةَ الأَمويِّين كخلافةٍ بدأَت مع إِتِّفاق [الصُّلح] الذي وقَّعهُ الطَّليق ابْنُ الطَّليق مُعاوية مع الامامِ الحَسن السِّبط (ع)! فمهما كابرَ الأَمويُّون وحاولوا لكن تبقى الحقيقة القائِلة بأَنَّ [خلافتهُم] بدأَت من هذا التَّاريخ حصراً، تؤرِّقُهم وكأَنَّهم استولَوا على سُلطةٍ هي ليست من حقِّهم وأَنَّهم نزَوا على مِنبرٍ هو ليسَ لهُم ولا حقَّ لهُم فيه! بل أَنَّ رسولَ الله (ص) حرَّمهُ عليهِم وحذَّر الأُمَّة منهُم!.

   ولقد شكَّك مُعاوية نَفْسَهُ وطعنَ بشرعيَّة سلطتهِ عندما وقَّع على وثيقة [الصُّلح] التي جاء فيها أَنَّ الخِلافةَ تعودُ بعدهُ شورى بين المسلمين! وفِي نصٍّ آخر بأَنَّها تعودُ للحسنِ (ع) وإِذا لم يكُن موجوداً فلأَخيهِ الحُسين السِّبط (ع)! وكأَنَّها إِشارةٌ الى أَنَّ خلافتهُ مؤَقَّتة لحقنِ الدِّماء وهي عابرةٌ ليس لها أَصلٌ لا في الدِّين ولا في الواقع!.

   ولقد حاول مُعاوية مرَّاتٍ وكرَّات إِيهام النَّاسَ وتضليلهُم بقولهِ أَنَّ الحَسن (ع) رَآه أَهلاً للخلافةِ فتنازل عنها لَهُ! إِلَّا أَنَّ الامام في كلِّ مرّةٍ كان لَهُ بالمرصادِ يردُّ سهمهُ الى نحرهِ ويردُّ مكيدتهُ الصَّاع صاعَين فيبيِّن الحقيقة للرَّأي العام ويشرح الواقع الصَّحيح لما جرى من أُمورٍ أَنتجت وثيقةَ [الصُّلح].

   ففي رسالةٍ بعثها الامامُ إِليهِ بيدِ حرب بن عبد الله الأَزدي بعد كلامٍ طويلٍ {فاليومَ فليتعَّجبُ المُتعجِّب من توثُّبكَ يا مُعاوية على أَمرٍ لستَ من أَهلهِ لا بفضلٍ في الدِّين معروفٌ، ولا أَثر في الاسلامِ محمودٌ، وأَنتَ إِبنُ حزبٍ من الأَحزابِ، وإِبنُ أَعدى قُريش لرسولِ الله (ص) ولِكتابهِ}.

   كما كان يُحاولُ مُعاوية إِيهام النَّاسَ بأَنَّ ترك الحَسن (ع) للسُّلطة لصالحهِ أَضفى على خلافتهِ الشَّرعية وبالتَّالي فذلك دليلٌ على ضعفِ القولِ بالإِمامةِ وحصرِ الشَّرعيَّة بأَهل البيتِ عليهِمُ السَّلام!.

   إِنَّ السُّلطةَ والإِمامة، أَو الخِلافة والإِمامة شيئَان مُختلفان تماماً، فالتَّنازل عن الخِلافةِ لا يعني بالمُطلق التَّنازل عن الإِمامةِ! فالأَخيرةُ كالنُّبوَّةِ جعليةٌ من الله تعالى {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} وقولهُ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} أَمَّا الخِلافةُ والسُّلطة فشيءٌ عرضيٌّ يتأَثَّر بالظُّروف الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة التي تحيطُ به! ولذلك لا يمكنُ القولَ أَبداً بأَنَّ أميرَ المؤمنين (ع) تنازلَ عن الإِمامةِ عندما تركَ المطالبة بحقِّهِ في الخِلافةِ والسُّلطة بعد رسول الله (ص) كما لا يمكنُ القولَ أَبداً بأَنَّ الامام (ع) كان يقصدُ بقولهِ لعبدالله بن عباس عندما دَخَلَ عليهِ بذي قار وهو يخصِفُ نعلهُ، فقال لَهُ: ما قيمة هذا النَّعل؟ فقالَ: لا قيمةَ لها! قال: والله لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ من إِمرتِكُم، إِلاّ أَن أُقيم حقّاً، أَو أَدفعَ باطِلاً} إِنَّهُ قصد الإمامة بهذا التَّشبيه! أَبداً!.

   وفِي مواجهةِ حمَلات التَّضليل والتَّشوية التي يقودها الأَمويُّون على مرِّ التَّاريخ وصولاً الى يومِنا هذا، ينبغي علينا تبيين الحقائِق المتعلِّقة بسيرةِ الحَسن السِّبط عليه السَّلام بحذافيرِها وبتفاصيلِها، فذلكَ واجبٌ نتصدَّى لمسؤوليَّاتهِ عملاً بقولِ الله تعالى {ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} فمِنَ المودَّةِ توضيحُ الحقائق وإِماطة اللِّثام عن المخفي من سيرةِ الامام عليه السَّلام.

   ١٠ حزيران ٢٠١٧

                            لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here