أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (١٧)

نــــــــــزار حيدر

{قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ* فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ* فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ}.

فالَّذين يقفونَ على التلِّ يتفرَّجون على ما يجري في المجتمع بذريعةِ [إِنَّ للبيتِ ربٌّ يحميه] و [ما لنا والدُّخول بَيْنَ السَّلاطين] و [دع السِّياسة لأَهلِها] لا يستثنيهم عذابُ الله تعالى إِذا نزلَ بسببِ الظُّلم والجَورِ والفسادِ والفشل!.

يخطئ من يظنُّ أِنَّهُ في مأمنٍ إِذَا آوى الى جبلٍ! أَوَليسَ في ظنِّ إِبنُ نبيَّ الله نوحٍ (ع) درسٌ؟! أَوليست هذه قصَّتهُ؛

{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}

فعلى الرَّغمِ من أَنّهُ ليس كلَّ قوم ثمودٍ عقروا ناقةَ صالح التي ابتلاهم بها ربَّهم! بل إِنَّ الرِّوايات تَقُولُ أَنَّ الذي عقرها واحِدٌ فقط! إِلَّا أَنَّ الآيةَ المُباركة تذكرهُ بواو الجمع {فَعَقَرُوهَا} لأَنَّ المجتمع إِنقسمَ وقتها الى صنفَين؛ محرِّضٌ ومشجِّعٌ وساكتٌ لائذٌ بالصَّمت! الأَوَّل الذي شجَّع على عقرِها وحثَّ على الجريمةِ سواءً بالكلامِ والاعلامِ وربَّما بالمالِ وغيرِ ذلك! والثَّاني هو الذي سكتَ على الجريمةِ ولم ينبس ببنتِ شفةٍ متذرِّعاً ومتحجِّجاً، فهو الآخر حرَّض على الجريمةِ بسكوتهِ! ولذلكَ شملهُم كلَّهم جميعاً العذاب! بفعلِ تنفيذ الجريمةِ أَو بقوَّةِ تنفيذها لا فرق!.

لا يمكنُ أَن نتصوَّرَ مجتمعٌ كاملٌ يرتكب الظُّلم! إِذ لابدَّ من إِستثناءاتٍ بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكالِ! إِلَّا أَنَّ القرآن الكريم يصوِّر الظُّلم الاجتماعي دائماً وكأَنَّ الجميع إِرتكبوهُ بِلا استثناءٍ! لأَنَّهُ يشملُ بآثارهِ عادةً كلَّ المجتمعِ فلا يستثني أَحداً، فيقولُ تعالى عن موقفِ الظُّلم الذي اتَّخذهُ قوم نبيَّنا إِبراهيم (ع) بقولهِ؛ {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأَنَّ الرَّاضي والسَّاكت كلاهُما تأَثَّر بالموقفِ ولذلك اعتبرَ القرآن الكريم أَنَّ كلَّ المجتمع إِرتكبَ الظُّلم بِلا إِستثناءٍ!.

لنقرأَ قولَ الله تعالى في الآيةِ المُباركة {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

ولذلك فعندما سأَلَ أَحدهُم الامام الحَسن بن عليٍّ السِّبط (ع) عن رأيهِ في السِّياسة قال؛ {هيَ أَن تُرعى حقوقَ الله، وحقوقَ الأَحياء، وحقوقَ الأَموات.

فأَمَّا حقوقَ الله؛ فأَداءِ ما طلبَ والاجتنابِ عمَّا نهى.

وأَمَّا حقوقَ الأَحياء: فهيَ أَن تقومَ بواجبكَ نحو إِخوانكَ ولا تتأَخَّر عن خدمةِ أُمَّتكَ، وأَن تُخلصَ لوليِّ الأَمر ما أَخلصَ لأُمَّتهِ، وأَن ترفعَ عقيرتكَ في وجههِ إِذا حادَ عن الطَّريق السَّويِّ.

وأَمَّا حقوق الأَموات: فهيَ أَن تذكرَ خيراتهُم، وتتغاضى عن مساويهِم، فإِنَّ لهُم ربّاً يُحاسبهُم}.

فالجزءُ الثَّاني من قولهِ (ع) وهو أَداءِ حقوق الأَحياء، لا تسقط مسؤوليَّتهُ عن أَحدٍ أَبداً! طبعاً مع الأَخذِ بنظرِ الاعتبار الموقع والدَّور ومدى التَّأثير والعِلم والارادة والقدرة وغير ذلك من أَدوات وأَسباب المسؤوليَّة!.

ينبغي أَن يتحمَّل الجميع مسؤوليَّة الاصلاح والتَّغيير خاصَّةً إِذا كان المسؤولُ في الدَّولةِ مخوَّلٌ من قِبل المواطن، النَّاخب، الذي يمنحهُ الثِّقة بصوتهِ الانتخابي الذي يُدلي بهِ في صُندوق الاقتراع! فالمسؤوليَّةُ هنا أَكثرَ تشارُكيَّةٍ، وهي أَكبرُ من غيرِها على اعتبارِ أَنَّ المسؤول [يُنجزُ] بثقةِ النَّاخب، فاذا أَنجزَ خيراً فالفضلُ بَعْدَ الله للنَّاخبِ الذي وثِقَ بهِ فأَحسنَ الاختيار! أَمَّا إِذا فسدَ أَو فَشَلَ أَو أَنجز ما هو سيِّء فالنَّاخبُ يتحمَّل المسؤوليَّة كذلك وأَكثر عندما لم يُحسن الاختيار وقتَ أَن باعَ صوتهُ الانتخابي برصيدٍ تافهٍ! أَو أَنَّهُ لم يُراقب ويُتابع ويُحاسب ويُعاقب!.

والآن؛

١/ هل أِدَّى المسؤولونَ واجباتهُم نحوَ شعبهِم؟!.

٢/ هل رفعَ الشَّعبُ عقيرتهُ في وجوههِم عندما حادوا عن الطَّريق السَّويِّ؟!.

[سْبْايْكَر] تجيبُ على السُّؤالَين في ذكراها الثَّالثةِ! فهل نالَ مسؤولٌ واحِدٌ جزاءهُ بسببِها؟!

١١ حزيران ٢٠١٧

لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here