أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (١٨)

                                                                                     نــــــــــزار حيدر

   {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

   كانَ ذَلِكَ على صعيد التَّشريع، فكانوا يكذِبونَ على الله تعالى فيُحلِّلون ويُحرِّمون حسب أَهوائهم وما تمليهِ عليهِم نفوسهُم المريضة بما يُحقِّق مصالحهُم الخاصَّة!.

   أَمَّا اليوم فلقد إِنتشرت ظاهرة التَّحليل والتَّحريم على كلِّ المستويات، السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والأَخلاقيَّة والاقتصاديَّة وغيرِها! ومن قبلِ كلِّ مَن هبَّ ودبَّ! كما هو حال فُقهاء البِلاط وأَئمَّة الجُمعة وفيهم من لم يقرأ أَكثر من كتابَين فقهيَّيْن! ليعيِّنوهُ مُفتياً يحلِّل ويحرِّم الدِّماء والأَعراض على هواه!.

   إِنَّهم يتجرَّأُون على الله تعالى فيكذبون على النَّاسِ باسم آياتهِ وشريعتهِ لتحقيقِ أَجنداتهِم المشبوهة الخاصَّة، فحللَّوا القتل والذَّبح وسبي النِّساء والجزية وحرق الضَّحايا وتدمير التَّاريخ والحضارة والمدنيَّة والتُّراث وكلُّ ذلك باسم الدِّين!.

   هذا بالنِّسبةِِ الى الارهابيِّين!.

   أَمَّا السياسيُّون قادة [التيَّار الدِّيني] فقد حلَّلوا الرَّشوة واللصوصيَّة والتعدِّي على المالِ العام والاستيلاء على أَملاك الدَّولة وإِستلام راتب الوظيفة بِلا عملٍ أَو إِنجازٍ! كلُّ ذلك، كذلك، باسم الدِّين! فلكلِّ سِرقةٍ آيةٌ وروايةٌ ودرايةٌ وكذبةٌ شرعيَّةٌ!.

   وكلُّ ذلك ليس بالأَمر الجديدِ علينا فلقد ابتُليَ به المجتمع منذُ أَيَّام رسول الله (ص) كما يشرح ذلك أَميرُ المؤمنين (ع) وقد سأَلهُ سائلٌ عن أَحاديث البِدع، وعمَّا في أَيدي النَّاس من إِختلافِ الخبر؛

   {إنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهْماً، وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ (ص) عَلَى عَهْدِهِ، حَتَّى قَامَ خَطِيباً، فَقَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

   وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَال لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ:

   رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلاِْيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ بِالاِْسْلاَمِ، لاَيَتَأَثَّمُ وَلاَ يَتَحَرَّجُ، يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ (ص) مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ (ص) رآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَقِفَ عَنْهُ، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ الْمُنَاقفِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ (ع)، فَتَقرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ، وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَوَلَّوهُمُ الاَْعْمَالَ، وَجَعَلُوهُمْ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا، إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ، فَهذَا أَحَدُ الاَْرْبَعَةِ.

   وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص) شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَوَهِمَ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدَيْهِ، يَرْوِيهِ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَقُولُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص)، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذلِكَ لَرَفَضَهُ!.

  وَرَجُلٌ ثَالِثٌ، سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص) شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَىُ عَنْ شَيْء، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لايَعْلَمُ، فَحَفِظَ المَنسُوخَ، وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.

   وَآخَرُ رَابِعٌ، لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللهِ، وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ، مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ، خَوْفاً لله، وَتَعْظيِماً لِرَسُولِ اللهِ، وَلَمْ يَهِمْ، بَلْ حَفظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، وَحَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ، وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ، وَعَرَفَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ، فَوَضَعَ كُلَّ شَيْء مَوْضِعَهُ، وَعَرفَ المُتَشَابِهَ وَمُحْكَمَهُ.

   وَقَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص) الْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ: فَكَلاَمٌ خَاصٌّ، وَكَلاَمٌ عَامٌّ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اللهُ بِهِ، وَلاَ مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ اللهِ (ص) فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ، وَيُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَة بِمَعْنَاهُ، وَمَا قُصِدَ بِهِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ (ص) مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَفْهِمُهُ، حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الاَْعْرَابِيُّ أَوْ الطَّارِىءُ، فَيَسَأَلَهُ (ع) حَتَّى يَسْمَعُوا، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ إِلاَّ سَأَلْتُ عَنْهُ وَحَفِظْتُهُ.

   فَهذِهِ وَجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلاَفِهِمْ، وَعِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ}.

   ولذلك فليسَ عبثاً أَو بدوافعَ عشائريَّةٍ وأُسَريَّةٍ أَمرنا الرَّسول (ص) بأَمرِ الله تعالى أَن لا نأخذ دينِنا إِلّا من عليٍّ (ع) دون غيرهِ، ومن مدرسة أَهل البيتِ (ع) دونَ كلِّ المدارس الأُخرى! لأَنَّهُ الوحيد الذي يصدُق عليه قول الله تعالى {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.

   فكيفَ تريدونَنا أَن نتركَ عليّاً (ع) ونأخذَ دينِنا ممَّن لم يعرِف معنى كلمة [أَبَّا] الواردة في قولِ الله تعالى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}؟.

   كيف نترك [بابَ علمِ رسول الله (ص)] ونلجأُ الى مَن قال وكرَّرَ [لولا عليٌّ…]؟!.

   ١٢ حزيران ٢٠١٧

                            لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here