البغدادي أقام في البعاج خلال العامين الماضيين وغادر قبل تحريرها بـ 3 اشهر

ترجمة/ حامد احمد

بعد أربعة ايام من اجتثاث مسلحي داعش من مدينة البعاج تكتشف قوات الحشد الشعبي احزمة ناسفة وبقايا سجلات تابعة لداعش ولكن لا مؤشر عن زعيم التنظيم الارهابي.
وفي قلب البلدة التي آوته، فان حضور ابو بكر البغدادي مايزال يتوارى بين ملفات وابنية مدمرة ومنهوبة.
لقد مضى أربعة ايام منذ ان غادر مسلحو تنظيم داعش البعاج حاملين معهم كل ما يستطيعون حمله وهم يشقون طريقهم نحو ملاذهم الاخير في الصحارى السورية. ولكن رغم تعجلهم ترك المتطرفون الهاربون ورائهم ما يشير الى مدى قيمة هذه البلدة النائية في شمال غربي العراق بالنسبة لأكثر المجاميع الارهابية خطورة في العالم ولزعيمها الهارب.
وعند بوابة حديدية صفراء في احد البيوت تُرك هناك حزام ناسف بجانب حائط. وفي الجانب الايمن من الغرفة تركت بنادق هجومية وعبوات ناسفة وخزان وقود مع شريط لاصق وكانت ارضية الغرفة زلقة من مادة الكازولين.
في الجانب الآخر من الحاجز كان هناك مكتب صغير وضع عليه راية تنظيم داعش ورقية فوق حزامين ناسفين. وملفات كانت مبعثرة على طاولة تحوي ارشادات حول كيفية معاملة سبايا الرقيق وكيف تلبس وكيف تتصرف وبعض هذه الارشادات تحمل اسم البغدادي.
كان نصف البيت عبارة عن مصنع قنابل والنصف الآخر كان بمثابة مركز الادارة الرئيس للتنظيم الارهابي، حيث تصدر منه قرارات الغرامات وتسديد الفواتير وجمع الهويات التعريفية المصادرة.
ولا يمكن لأي شخص أن يأتي لهذا المكان المضجر، سواء جاء بإرادته او بأي ظرف آخر، ان يفلت من اي تلقين عقائدي يسيطر على كل نواحي حياة الناس تقريبا.
وتبعثرت كتب تشيد بالشهادة في الحرب تحت الانقاض وبجانبها توجد سجلات شخصية وصور لمجندين جدد ورجال وأولاد فقدوا في الحرب.
وبعد ان كانت البعاج لفترة طويلة تعتبر ايقونة قوة تنظيم داعش، فانها الآن رمز على انحدار واضمحلال التنظيم. وخلال الأيام التسعة الماضية كانت قوات الحشد قد اجتاحت كل القرى مابين البلدة والحدود السورية، كما كانت سريعة الحركة في انشاء قواعد لها في بلدة البعاج. والى الشرق من القضاء، لم يسمح لأي فرد من السكان بان يبقى في اي من القرى المحررة بين الموصل والخطوط الامامية. وفي الاسبوع الماضي انتشرت اول موجة للنازحين العراقيين عبر السهول القاحلة، قسم منهم في سيارات بالية وشاحنات دواجن وقسم منهم مشياً على الاقدام واخرون ركبوا في مقطورات حصاد ضخمة على حافة الطرق الخارجية الخربة.
وغطت طبقات من غبار الاتربة وجوه النازحين. وفي قرب القيارة وصلت نساء وفتيات من اللائي لم يرين ضوء النهار على مدى ثلاث سنوات تراهن قابعات في الجانب الخلفي من الشاحنات وهن مرهقات بعد قضاء سفرة على امتداد سبعة ساعات عبر طرق وحقول كثيرة الاخاديد. وقد استبدلن رداء العباءة الاسود ــ الذي كان إلزاميا وقسريا تحت حكم داعش ــ بملابس أردية ذات ألوان وردية وزرقاء وصفراء. وكانت تزحف ورائهم عشرات الآلاف من المواشي والاغنام بدت من بعيد وهي تحجب الافق من جانب الى آخر.
وقال احد الرجال الذي توقف لشرب الماء بعد حلول الافطار إن “قوات الحشد الشعبي قالوا لنا انه من الخطر جدا البقاء. قالوا لنا بان هناك قنابل في كل مكان وان الكل يجب ان يغادر”.
وذكر النازحون من البعاج بانهم تعلموا بان لايطرحوا اسئلة عن مكان وجود الزعيم الارهابي الذي كان في الظاهر يعيش بينهم.
قال بائع يدعى صبحي محمد “كان من الخطورة جدا ان تذهب لتطلع، او حتى تثير هذا الموضوع”.
وقال شخص آخر رفض الكشف عن اسمه “كان له مايقارب من 10 بيوت كملاذات آمنة، هذا ما كنا نعرفه ولكن لا احد يمتلك الشجاعة ليسأل اين يتواجد”.
الوكالات الاستخبارية التي تتعقب البغدادي كانت متأكدة انه قضى معظم السنتين الماضيتين في البعاج، وكان هناك مؤخراً لحد شهر آذار المنصرم.
وتتواجد قوات البيشمركة على بعد عشرين ميلاً الى الشمال، ويؤكدون ان البغدادي قد غادر البلدة قبل فترة طويلة من تحريرها.. وقالوا أن البغدادي استرجع عافيته في البعاج بعد جروح مميتة تقريبا تعرض لها جراء غارة جوية في شباط عام 2015.
ويقول ابو مهدي المهندس نائب قائد قوات الحشد الشعبي، انه واثق من ان كبار قادة داعش هربوا الى سوريا خلال الايام الاولى من الاسبوع الماضي، مضيفا “كنا نطاردهم غرب منطقة الشوكات”.
وأضاف المهندس “ارسلوا الينا مايقارب من خمسة الى ستة انتحاريين ولدينا معلومات بانهم كانوا يحاولون اخراج اتباعهم المهمين وعوائلهم عبر الحدود. لقد كانت معركة شرسة جدا ويبدو بانهم كانوا يحاولون اخلاء الطريق”.
قبل خمسة ايام من مغادرة داعش بشكل نهائي للبعاج أمر قادة المجموعة المسلحين بسحب اسلحتهم الى مدينتي ميادين ودشاشة السوريتين. وبقي منطقتين في شمالي العراق وهي الحويجة وتلعفر التي ماتزال تحت سيطرة داعش.
وقال الدكتور الخفاف، طبيب علاج طوارئ انتقل مؤخرا الى مستشفى البعاج حال خروج داعش منها “انظر الى السرعة التي هربوا فيها من هنا، لم نكن نتوقع ان يحصل ذلك بهذا الشكل المفاجئ”.
كان هو وبقية زملائه من الاطباء يتنقلون بحذر عبر مستشفى مربكة بالعبوات الناسفة. وقال طبيب آخر وهو يشير الى اداة مرمية على كرسي في الردهة “لقد تمكنا لحد الان من ابطال مفعول ثماني قنابل”. الكمائن المفخخة والالغام تعتبر خطرا قائما في جميع المناطق التي غادرها داعش، ولكن بشكل خاص في البعاج .
وقال ابو شمس، رئيس فريق ابطال مفعول المتفجرات في قوات الحشد الشعبي “ابطلنا مفعول اكثر من 900 قنبلة خلال الايام القليلة الماضية فقط، وهناك الكثير منها على الطريق السريع والشوارع”.
على جانب احد الطرق في وسط البلدة ظهر ثلاثة اشباح عبر الغبار. احدهم كان يرتدي قلنسوة صلاة اسلامية، والاخران كانا يحملان احزمة ناسفة، وكانوا ثلاثي يرتدون بزات عسكرية. سألهم احد الجنود بغضب: من انتم؟.
اجابوه: “نحن من العصائب. لقد عثرنا توا على هذه الاحزمة الناسفة”. وكان أحدهم قد اوقد سكارة وهو يتفحص عجينة المتفجرات المثبتة في الحزام الذي كان يرتديه. يده الثانية كانت تمسك بالقادح المتصل بالحزام. وقال وهو يطمئنهم “لقد تم ابطال مفعوله.. لا تسلكوا ذاك الطريق، لقد فخخوا البيوت بتسليكه مع خراطيم المياه”.
ويبدو ان الادوات الوحيدة التي بيد هؤلاء الرجال الثلاث هي اثنين من ادوات قطع الاسلاك الحمراء (كتر).. لقد امتهنوا مهنة محفوفة بالمخاطر ثم انتقلوا الى طريق آخر مليء بانقاض الغارات الجوية والعبوات الناسفة التي تركها التنظيم ورائه. وقال احد الرجال الثلاثة قبل ان يختفوا بين اكوام الانقاض “نحن لسنا دواعش. نحن عصائب”.
كل ما تركه مسلحو داعش ورائهم بين البعاج والحدود هي فخاخ وكمائن لعرقلة تقدم القوات المنتصرة. وقال ابو شمس متحدثا عن البغدادي “لقد كان هنا. استطيع ان اشعر بذلك”.

عن: الغارديان

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here