حرب غير معلنة في الأنبار بواسطة مذكّرات اعتقال ووثائق مزوّرة

بغداد / وائل نعمة

يوحي الصراع المتصاعد في محافظة الانبار بأن الانتخابات المحلية قد انتهت للتو، رغم أنها ستجرى في العام المقبل بحسب أكثر الآراء المتفائلة. إذ بات تأجيل الانتخابات المحلية عن موعدها المقرر في أيلول المقبل، أمراً مفروغا منه.
ومن المتوقع ان تجرى الانتخابات المحلية في أيلول أو نيسان من العام المقبل، وهو وقت تجده بعض الاطراف في الانبار غير كافٍ للمناورات السياسية.
فبعد محاولتين فاشلتين للإطاحة بمحافظ الانبار صهيب الراوي، العام الماضي، اتخذ الصراع على السلطة بين اطراف المحافظة شكلا جديدا. فقد بدأت الحرب بين الاطراف المتنافسة، بـ(فبكرة الاخبار)، ونشر (وثائق مزورة)، بينها شهادات جامعية، وأوامر إلقاء قبض.
فالراوي، وزعيم مؤتمر الصحوة أحمد أبوريشة، تطاردهما مذكرات اعتقال تم تداولها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
بالتزامن مع ذلك، تتم اقالة نائب المحافظ من منصبه، على خلفية اتهامه بتزوير شهادته الجامعية، بتوصية من لجنة برلمانية تم خداعها بأوراق مزورة. ولاتعرف تلك الجهة التي قامت بخداع البرلمان.
وتأتي هذه التطورات، في وقت يتوقع ان تبدأ حملة عسكرية مرتقبة لتحرير ما تبقى من غرب المحافظة من سيطرة داعش، وتأمين الشريط الحدودي للمحافظة. وتعرضت مدن الانبار، لا سيما الرمادي، الى دمار كبير اثناء معركة تحريرها من سيطرة داعش العام الماضي.
ويتوقع ان تحصل المحافظة على ملايين الدولارات، في اطار المنح الدولية المخصصة لإعادة الإعمار، وهو ما يعتبر احد الاسباب التي تدفع قوى المحافظة للتنافس على المناصب
الادارية.

سرّ الوثيقة المزورة
وبدأت كتلة المحافظ صهيب الراوي مبكراً بتشكيل كتلة تتلاءم مع مرحلة ما بعد تحرير المحافظة من داعش. وتضم كتلة “الاستقرار والبناء” 18 عضواً في مجلس المحافظة. ويسعى التجمع الجديد لعزل حركة الحل، التي طالبت قبل أشهر بإقالة المحافظ.
ورد صهيب الراوي، مؤخرا، بإقالة نائبه الفني علي فرحان الذي انتقل الى جبهة المعارضة، بحسب عذال الفهداوي، العضو المعارض في مجلس المحافظة.
لكن الراوية الرسمية تقول بأن قرار إقالة نائب المحافظ جاء بعد ورود إخطار من لجنة النزاهة البرلمانية، تؤكد ان علي فرحان مزور للشهادة الجامعية، الصادرة من (كلية السلام)، الكليات الاهلية في بغداد.
لكن الكلية ردت قبل نهاية أيار الماضي، بنفي ان تكون قد اصدرت وثيقة تتهم نائب المحافظ بتزوير شهادته.
ويقول عذال الفهداوي في تصريح لـ(المدى) “بالتأكيد ان المحافظ صهيب الراوي هو من حرك الموضوع ودفع بعض الجهات للبحث عن شهادة نائبه”.
وترفض لجنة النزاهة البرلمانية الإفصاح عن مصدر الوثيقة المزورة التي حصلت عليها. كما رفض النائب عادل نوري، المتحدث باسم اللجنة، خلال اتصال مع (المدى)، التعليق على الموضوع، معتذراً بالعطلة التشريعية.
وأكد النائب في لجنة النزاهة صلاح الجبوري، مطلع حزيران الحالي، ان لجنته ستشرع بالتحقيق في الاوراق المزورة التي قدمت بهذا الشأن.
وكان مكتب محافظ الأنبار قد أعلن، في 28 أيار الماضي، أن الأخير أقال نائبه الفني علي فرحان حميد من منصبه بعد ورود كتاب يفيد بأنه قدم “شهادة مزورة”.
وكان مجلس الانبار قد صوت، في حزيران الماضي، على تنصيب فرحان محافظا بالوكالة بدلا من الراوي، الذي تمت إقالته من منصبه قبل ان يطعن في القرار ويعود الى منصبه.
وفاز علي فرحان في انتخابات 2013، بأحد مقعدين حصلت عليهما كتلة ائتلاف التعاون الوطني، وأصبح ضمن فريق المحافظ قبل ان ينقلب عليه بعد ذلك.
ويؤكد مستشار المحافظ حكمت سليمان ان الاخير “لم يكن راغباً بإقالة نائبه، لكنه كان مضطراً بسبب الشهادة المزورة”.
وصوت مجلس الانبار، نهاية 2014، على اختيار فرحان نائبا لمحافظ الأنبار الجديد، بعد قبول استقالة جاسم العسل، الذي شغل منصب نائب المحافظ السابق للشؤون الفنية، وهو من نفس كتلة الاخير.

اعتقال الراوي وأبو ريشة
وفي تطور لاحق، قرر النائب المقال رفع 3 دعاوى قضائية ضد الراوي بـ”تهمة التشهير”، و”تلفيق تُهم” ضده.
وصرح فرحان، الذي لم يتسن لـ(المدى) الاتصال به، في وسائل إعلام، السبت الماضي، بان هناك “مذكرة اعتقال” صدرت بحق المحافظ. لكن محمد ياسين، العضو عن جبهة الراوي، نفى امس لـ(المدى)، صحة تلك المذكرة.
ويؤكد ياسين ان “فرحان رفع عدة دعاوى ضد المحافظ”، نافيا علمه بالجهة التي ضللت البرلمان بالوثيقة المزورة.
ويعتقد عضو مجلس محافظة الانبار ان “هناك جهات سياسية تحاول إعاقة عمل المحافظ”، مؤكدا ان “الاشهر المتبقية من زمن الحكومة المحلية غير كافية للتغيير”. وتعرضت الانبار لهزات سياسية متتالية منذ عام 2013. اذ تم اختيار محافظ الانبار على وقع الاحتجاجات والاعتصامات، بالتزامن مع سقوط الفلوجة بيد داعش.
وأصيب أحمد الدليمي، المحافظ السابق، خلال مواجهات مع داعش في ناحية بروانة غرب الانبار في صيف 2014، ليحل صهيب الراوي، القيادي في الحزب الاسلامي، محله.
وهددت الخلافات السياسية بتقسيم الانبار الى قسمين، غربي وشرقي، إثر تبادل الاطراف المتنفذة اتهامات باحتكار السلطة.
وردت جهات قريبة من الراوي، بعد المحاولة الاولى لإقالته، بان حديثة، وراوة، وعانة،والقائم، والرطبة، وهيت، ستقررتشكيل المحافظة الغربية. وعزت تلك الجهات سبب الانفصال عن الانبار الى ان اهالي تلك المناطق “يرفضون سيطرة بعض الشخصيات على مناطقهم”.
وكان أحمد أبو ريشة، زعيم (مؤتمر صحوة العراق)، الذي يعتبر أحد اقطاب المعارضة في الانبار، قد غير موقفه بعد “تسوية سياسية”، وضعت المحافظة في استقرار نسبي، بعد ثاني محاولة فاشلة لاقالة المحافظ في آب الماضي. ويرى محمد ياسين، عضو مجلس محافظة الانبار، ان “أبو ريشة اقتنع ان الوقت الآن غير مناسب لتغيير المحافظ”.
وبعد الموقف الاخير، نشرت مواقع إلكترونية نسخا لمذكرة اعتقال بحق أبو ريشة، مشيرة الى محل إقامته هو المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد.
وبعد يوم من انتشار المذكرة، نفى أبو ريشة صحة تلك الوثيقة، وهدد بمقاضاة وسائل الاعلام التي روجت لذلك.
ويقول حكمت سليمان، عضو مجلس المحافظة السابق، في حديث لـ(المدى)، ان “حركة الحل ووزير الكهرباء قاسم الفهداوي، يحاولون اقالة المحافظ بشتى الطرق”.
وبعد هدوء دام 5 أشهر فقط، اثر التسوية الاخيرة في الانبار، طالبت “كتلة الحل” بزعامة جمال الكربولي، المحافظ صهيب الراوي بتقديم استقالته.
وقالت مصادر محلية مطلعة آنذاك، ان كتل المحافظة– باستثناء الحزب الاسلامي الذي ينتمي له الراوي- متفقة على اقالة المحافظ.
وكشف المصدر ان “تلك الكتل عقدت اجتماعا في المحافظة وأعطت المحافظ مهلة شهر لتقديم استقالته وإلا فستتم إقالته مرة ثالثة.
واتهم محمد الكربولي، رئيس كتلة الحل في البرلمان، في تصريح لـ(المدى)، محافظ الانبار “باحتكار كل الاموال والصلاحيات لحزبه”، وبأنهم كشركاء للأخير “أعادوا النظر في التحالف معه”.
وأشارت مصادر محلية، وقتها، إلى ان الصفقة السياسية اقنعت أبوريشة وبقية الاطراف السياسية، باستثناء فريقي الفهداوي وجنيد الكسنزاني، الذي انضم لاحقا الى اطراف الصفقة.
ويقول حكمت سليمان، مستشار محافظ الانبار، ان “الجهة التي زورت مذكرة اعتقال الراوي، هي نفسها التي قامت بتزوير مذكرة إلقاء القبض على ابو ريشة”. ويلفت الى ان “ابو ريشة يعتبر من الداعمين للمحافظ، وهناك من يريد توجيه ضربة للطرفين”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here