آهٍ لجرحك يا علي!

أمل الياسري

(المعصية لذتها جسدية ويعقبها ملل وضيق أكبر من اللذة، أما الطاعة فلذتها روحية تعقبها راحة ولذة أكبر)، نعم محراب ومنبر ينعى فقيده يعسوب الدين، وأي كلام أو بلاغة تصل ليوم جرحكَ يا أمير المؤمنين، وقد تعلمنا منكَ ومن إبن عمكَ محمد (صلواته تعالى عليكما) حلاوة الأيمان، وروعة الصبر على الشدائد، والصفح، والزهد، والتقوى، والشجاعة، والتضحية، والحكمة، وكل مكرمة نزلت في القرآن الكريم، فكنتَ أنتَ قرآنها الناطق، آهٍ لصباح ملؤه أسى وفجعية لثلمة الدين، فعمَ يتساءلون؟!

الإمام علي (عليه السلام) كان، وما يزال أسعد إنسان على وجه الخليقة، فهو إنسان لا ينتظر شيئاً من أحد، لأن الواحد الأحد جعله في القرآن،(وإنه لدينا لعلي حكيم)، عندها فهمتُ الحياة جيداً من أميري وخليفتي، فقد رأيتُ فيها ما كنتُ أخشى رؤيته، وعرفتُ أن الناس مجرد معادن كثيرها يصدأ، وقليلها حرٌّ محافظ، نعم لقد ضُرِب حيدرة في المحراب، فتهدمت أركان الهدى، وإنفصمت العروة الوثقى، ولم يكمل سجدته، لكننا أكملنا نهجه، وصلاته، وعقيدته حتى يوم يبعثون.

رغيفان من خبز شعير، وقصعة لبن، وبعض ملح جريش، لم تأكل منه إلا رغيفاً وذرات ملح، فأنتَ لا تحب المكوث طويلاً أمام الطعام، لكننا على جرحكَ أحضرنا لبناً لتشربه، ودموعنا قصائد نعي، تزحف صوب هامتكَ المقدسة، وحينما قال الحكيم: داوؤه اللبن، فإذا بجموع الأيتام، والفقراء، والمحرومين، والمساكين، يحومون ويطوفون حول الباب، لينادوا: لقد جئناكَ باللبن، فقط لا ترحل عنا، فمَنْ لنا بعدكَ يا علي، وهو يقول: (الله الله في الأيتام، لا تغبوا أفواههم، ولايضيعوا بحضرتكم).

أفنى الإمام علي(عليه السلام) حياته الخالدة، في الدفاع عن شوكة الدين، بدءاً من ليلة المنام التي أراد فيها مبغضوك، أن يقتلوا نبي الرحمة محمد(صلواته تعالى عليه)، فكنتَ أنتَ الفدائي العظيم له، والذاب عن حرمات دينه، أنامل ولائي لا تستطيع الوفاء لكَ أبداً ما حييتُ، لأنني كلما غرفتُ غرفة من حياضك المترعة، شعرتُ وكأني عطشى أمام ساحل بحرك اللجي الكريم، أما أوجاع قلبي يوم(19/رمضان/40 للهجرة)،فإنها تحتل أرض الصمت عندي، وتشيد عروشاً من الألم على حرجكَ سيدي.

أشعر بأمان داخلي وسلام دائمي، عندما أحادث جرحكَ العظيم يا أبا السبطين، لأننا أيتامكَ ونحتاجُكَ في كل زمان ومكان، وها نحن محبوكَ نردد ما تقول:(فصبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجى)،علمتنا أن الدنيا بلاء تلو البلاء، لكننا معكَ موقنون بأن مع العسر يسراً، وأن في حلال الدنيا حساب وفي حرامها عقاب، على أن سجودكَ المخضب بدمكَ الطاهر، في صلاة عشق لم ولن تنتهي، أدركنا معها كيف أنكَ فزتَ ورب الكعبة، فسلام على ليلة إفطاركَ الأخيرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here