استفتاء كوردستان…اذا عرف السبب بطل العجب

فوزي الاتروشي

شاعر وكاتب

القضية الكوردية وحلها النهائي مؤجل دائماً بدعوى عدم ملائمة الظروف المحلية والاقليمية والدولية ، هذا الشعار عمره بقدر عمر الدولة العراقية ، فهو يتكرر بلا انقطاع ازاء كل انعطافة راديكالية في النظرة الى الحل من قبل القيادة الكوردية منذ نشأة الحركة التحررية الكوردية لغاية بلوغها ونضوجها الحالي الى حد انها شبت عن الطوق.

والرافضون حالياً للحل والاستفتاء المطروح يرددون نفس الشعار وان اختلفت الكلمات , فهم مسكونون بالخوف من دولة جديدة تظهر على الخارطة السياسية في المنطقة,دون التفكير ان الخرائط الحالية هي التي تشكلت بعد الحرب العالمية الاولى وتغيرت بعد الحرب العالمية الثانية وفي كلا التغييرين كان الشعب الكوردي ابرز الضحايا,ومابينهما وبعدهما سالت الكثير من المياه الجديدة في انهار الشرق الاوسط دون ان يكون للرافضين حول ولا قوة او امكانية تغير اقدار الشعوب.

الاستفتاء في كوردستان العراق ببساطة اجراء قانوني دستوري ، وحق اصيل لايمكن التنكر له ، الا اذا كنا طامعين في تحجيم كل خيارات الانسان وقضم حريته في الاختيار ,ففي النهاية لايعني الاستفتاء سوى التخيير كبديل عن التسيير القمعي لتطلعات الانسان وهو امر مرفوض.

الرافضون للاستفتاء في كوردستان لايدركون ان طروحاتهم تصطدم بجبل من التغيرات في المنطقة ,فقد نشأت دول ، واتحدت دول ، وانشقت دول ، وتحالفت دول اخرى ، وانسلخت بقاع ، وانضمت بقاع اخرى الى هذه الدولة او تلك على مر عقود من الزمن وليس قرون .

فهذه جيكو سلوڤاكيا التي غدت دولتين هما الجيك والسلوڤاك ، وتلك يوغوسلاڤيا التي كرت سبحتها لتظهر دول بقدر الوان تنويعها الاثني ، و برزت تيمور الشرقية ، وجنوب السودان ، وكلها الان اعضاء في الامم المتحدة تنهض بدورها الى جانب الدول الكبرى في رسم معالم النظام الدولي الجديد ، فما العجب اذا عبر شعب كوردستان بذات الاليات عن ارادته؟ .

حجة اكثر الرافضين ان الظرف المحلي غير مواتٍ والجواب متى كان الظرف داخلياً مواتياً ؟ فمسلسل الموت والدمار والحرب العنصرية البغيضة هو الذي تكاثرت وتراكمت وتناسلت حلقاته دون ان يترك لشعب كوردستان الآمن المسالم فرصة التنفس او حتى استراحة المحارب الى ان كانت الانعطافة الكبرى عام1991بصدور القرار الدولي688 وانبثاق المنطقة الامنة والتطورات اللاحقة لغاية الان معروفة .

وحجتهم الثانية ان الطوق الاقليمي الذي يتقاسم ارض كوردستان الكبرى لن يتوانى في رفض الاستفتاء ، والجواب ان كل انسان كوردي عادي يعرف هذه الحقيقة الجغرافية الحتمية التي لاتغيير ولاتبديل لها ، فأما السكون والخضوع لهذه الحتمية الجغرافية الازلية او -وهذا هو المعمول به حالياً- التطبع والتعايش معها ، وتغيير الية العمل والنضال بما ينسجم مع موجباتها , وكل الاحزاب الكوردستانية تعمل ضمن الممكن ، والممكن هو ان كل جزء من كوردستان معني بشؤونه وهمومه بعيداً عن الشعارات القومية الرنانة العابرة لحدود الدول الاربع التي تتقاسم كوردستان , وكل جزء له الحق في عقد تحالفات وتفاهمات مع قوى ديمقراطية في هذه الدول تصل بمقتضاها الى حل لمعضلتي الديمقراطية والحل السلمي للقضية الكوردية ، والامران صنوان مترابطان لاينفصمان.

اما الظرف الدولي الذي يعول عليه الرافضون فهو محكوم بعامل المصالح المشتركة ، وسلة المنافع ، ومدى قدرة الوليد الجديد على ان يكون اضافة نوعية للامن والاستقرار ، واهليته ليكون عنصراً صالحاً في الاسرة الدولية , وماعدا ذلك فأن المنظور الايديولوجي البحت والعداء الدائم والصداقة الدائمة دون شروط لم يعد المعيار الذي يحدد رأي اعضاء الاسرة الدولية ومنظمة الامم المتحدة بالاستفتاء في كوردستان او في اي بقعة من العالم .

والحال ان تجربة الادارة الكوردية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي ولغاية الان لم تقترن الا بماهو مفيد وصالح للناس وللمنطقة وللعالم ، فهي ليست بؤرة فوضى بل بؤرة امان وسلام للساكنين وللمقيمين من النازحين واللاجئين . ومازال الاقليم يشكل برأي اجماع المراكز الاستراتيجية السياسية الدولية وصناع القرار الدوليين القاعدة الاقوى والافضل لمحاربة الارهاب ,علاوةً على كونها المنطقة الاكثر تطوراً ونمواً وعمراناً في العراق ممايجعلها نموذجاً يحتذى به وليس التعامي عليه واطفاء جذوته .

يبقى ان نقول ان الجيرة الحسنة افضل بكثير من الاتحاد القسري الحافل بالمشاكل اليومية , والتعايش السلمي هو الخيار المثالي حين تنعدم مسوغات الوحدة الاندماجية المفروضة .

والاستفتاء بالنهاية هو عودة للوصفة التأسيسية للعراق الحديث فالشعب الكوردي انضم اليه باستفتاء على امل ان يعيش بحرية وكرامة ومساواة والان يختار الاستفتاء نفسه لتقرير مصيره بالشكل الذي يرتأيه بعد ان وجد ان طريقه للحل مع المركز اصبح مسدوداً وان حلمه سقط في عنق الزجاجة .

اذاً هل بطل العجب بعد ان عرف السبب؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here