هذا قال .. و ذلك فعل : قصة قصيرة

هذا قال .. و ذلك فعل : قصة قصيرة

كانا يتمشيان في نزهة مسائية عندما وجدا أنفسهما عند محاذاة أرض مهملة يغطيها ركام من نفيات و أدغال و أعشاب جافة هنا و هناك ، مع أكياس مرمية تتلاقفها رياح مشاغبة وتقذفها متطايرة يمينا و يسارا متسلية و ملتهية ..
توقفا و القيا نظرة على طول الأرض فكانت تبدو أرضا مباركة و طيبة من خلال كثرة أعشاب نبات و أزهار برية متيبسة .
فقال الأول بنبرة تلقين : أنه يجب أن تُجعل من هذه القطعة أرضا مثمرة ويانعة و نضرة بخضارها وثمراتها و أنه سوف … و هكذا … وكذا و .. الخ ..
صمت الثاني ولم يقل شيئا ، فقط مررّ بنظراته على طوال الأرض راسما في مخيلته كيف يمكن جعل من هذه القطعة جنة أرضية حقا ..
وبعد انتهاء النزهة رجع كل واحد منهما إلى بيته و شأنه ..
فسرعان ما نسى الرجل الأول قطعة ألأرض تلك ، أما الرجل الثاني فبقي مشغول الفكر بتلك الأرض و كيفية استثمارها على نحو جيد ونافع مفيد له و للمجتمع ، فعل كل ذلك صامتا ، ومفكرا بكيفية تنفيذه للفكرة قبل البوح بها أمام الأخرين .
لأنه كان متيقنا بجود فارق كبير بين قول و فعل :
أذ فمن لا يريد أن يعمل أو يفعل فهو يفرط كثيرا بالكلام .
أما الذي يريد أن يعمل و ينجز شيئا ما ، فأنه يفعل ذلك بصمت وسكوت ولا يبوح بالأمر إلا ، و ربما ، بعدما يكون الإنجاز قد أصبح متكاملا وناجحا حسب الفكرة والخطة .
ففي اليوم الثاني اتصل الشخص الثاني بمهندسين زراعيين و أخذهم إلى تلك الأرض وشرح لهم غايته التي صمم عليها وهي : جعل من هذه القطعة بستانا من فواكه شتى و غابة نخيل بينما قسمها أخر يجب إن يُخصص لزرع خضروات موسمية ..
بعد مرور سنوات طويلة التقيا الصديقان مصادفة ، و قاما بنزهة مماثلة التي انتهت بهما عند حافة بستان جميل ، مع مزرعة تُزخر بخضروات نضرة مع أزهار عباد شمس تعلو شاهقة ، وهي تنحني خاشعة لشمس الغروب ..
كان مشهدا مذهلا و ساحرا حقا ..
فقال الأول بنبرة إعجاب و إدهاش ::
ــ لو كنتُ قد وجدتُ قطعة أرض خالية كهذه التي أمامنا ، لجعلتُ منها بستنا جميلا و حقلا خلابا كهذا ..
فابتسم الثاني بسره ولم يعلق بشيء ، إنما دعاه لتناول وجبة فاكهة طازجة سوف يقطفونها للتو من أغصانها المتدلية كخصلات آنسات فاتنات و مشهيات .

مهدي قاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here