تصدع اليمين المتطرف في فنلندا !

هلسنكي ــ يوسف ابو الفوز
توترت الاجواء السياسية في فنلندا، حالما اعلن الحزب اليميني المتطرف (الفنلنديون الحقيقيون) عن انتخاب قيادة جديدة، في التاسع من حزيران الجاري، حيث تنحى عن رئاسته، أبرز مؤسسي الحزب ورئيسه لعدة دورات، تيمو سويني (تولد 1962) الذي يشغل حقيبة وزارة الخارجية في الحكومة الحالية، التي تشكلت أثر انتخابات نيسان 2015. وفاز برئاسة الحزب  القومي واليميني المتطرف وذو النزعات النازية، يوسي أهو هالا ( تولد 1971)، الذي عرف بمناهضة للهجرة وعدائه للاجانب وتصريحاته العنصرية التي طالما اثارت الامتعاض في الشارع الفنلندي، حتى من قبل شركاء حزبه في الحكومة. وفاز الى جانبه لقيادة الحزب مجموعة من مؤيدي النازية الجديدة، وبعض منهم سبق وتعرض للمساءلة القانونية اثر تصريحاتهم العنصرية، مما دفع رئيس الوزراء يوها سيبلا ( تولد1961) وهو سكرتير حزب الوسط ، ومن بعد اجتماعه مع الرئيس الجديد للحزب اليمني المتطرف، والاستماع اليه، الى الاعلان عن عدم قدرته الاستمرار في حكومة مع الحزب اليميني المتطرف بطاقم قيادته الجديدة، وتبعه حالا بيتري اوربو (تولد 1969) الشريك الثالث في الحكومة، ويشغل حقيبة وزير المالية ونائب رئيس الوزراء، وهو رئيس حزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين تقليدي)، وسرعان ما اعلنا معا، حزب الوسط والائتلاف الوطني ، في مؤتمر صحفي مشترك، عن اعتبار اتفاقهما وتحالفهما الحكومي مع اليمين المتطرف ملغيا. فادخل ذلك البلاد في ازمة سياسية حملت العديد من التوقعات. رئيس الجمهورية ساولي نينستو (تولد 1948) وهو من حزب الائتلاف الوطني، اعلن عن استعدادة لاستلام استقالة الحكومة على ان يتم تشكيل حكومة جديدة باسرع ما يمكن، وتجنب البلاد من الوقوع في فراغ سياسي. واقترح دعوة اطراف ما من المعارضة للتفاوض، فاستجاب لذلك الحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الشعب السويدي الفنلندي، واعلنا عن استعدادهما للتفاوض والاشتراك في الحكومة المزمع تشكيلها، شرط ان يتم اقرار برنامج حكومي جديد.
لكن المفاجئة جاءت من داخل اليمين المتطرف ذاته، اذ اعلن 20 نائبا من 35 نائب للحزب المذكور في البرلمان، عن تقديم استقالاتهم من الحزب وانشقاقهم عن القيادة الجديدة، وتشكيل مجموعة برلمانية جديدة تعمل باسم ” الخيار الجديد”. يذكر ان رئيس الحزب السابق ووزير الخارجية تيمو سوينى من بين المجموعة المنشقة، اضافة الى نواب بارزين اخرين مثل زعيم المجموعة البرلمانية والوزراء الاربعة في الحكومة بالاضافة الى رئيسة البرلمان الفنلندي، مما اسقط في يد القيادة الجديدة لحزب اليمين المتطرف، التي بدت مذهولة امام التطورات السريعة. واعلنت الجماعة المنشقة عن استعدادها للعمل مع الحكومة الحالية وفقا لبرنامجها الحكومي المتفق عليه اساسا، مما انقذ رئيس الوزراء، الذي كان في طريقه الى المقر الصيفي لرئيس الجمهورية لتسليم استقالة حكومته وفقا للدستور، فعدل عن الزيارة واعلن عن استمرار حكومته بالتعاون مع المجموعة البرلمانية الجديدة. رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي، كان صريحا بالقول ان  الاسباب بالغاء التحالف مع اليمين المتطرف لا تتعلق فقط بشخصية رئيس الحزب الجديد، ولكن التراكمات في الممارسة السياسية، والمطالبات  بسياسة متشددة في فيما يخص العلاقة مع الاتحاد الاوربي وسياسة الهجرة واللجوء، وقال بان الحكومة يهمها ان تحافظ على معايير حقوق الانسان التي عرفت بها فنلندا.
قوى احزاب اليسار المعارضة، ومع اعلان رئيس الوزراء موقفه بالانفكاك من تحالفه مع اليمين المتطرف، دعت الى انتخابات مبكرة، وهذه لو كانت حصلت لكان ان شهدت البلاد تغيرا كبيرا في المعادلات السياسة، فتبعا لمؤشرات نتئج الانتخابات البلدية، في نيسان / ابريل الماضي، اذ تراجعت قوى اليمين لصالح قوى اليسار، فربما تهزم احزاب الحكومة مجتمعة، وتتشكل حكومة جيدة ويتغير حتى رئيس الوزراء الحالي. المراقبون ، اشاروا الى ان حركة الانشقاق، التي انقذت الحكومة من السقوط، وبدت وكأنها حصلت بسرعة، لم تكن عملا مفاجئا، بل كان ممهدا ومخطط له، مع توقع فوز المجموعة الاكثر تشددا داخل الحزب اليميني المتطرف، التي اتهمت من قبل المنشقين بانها “خطفت الحزب “.
ان الكثير من التساؤلات برزت عن مستقبل العملية السياسية ومصير حزب الفنلنديين الحقيقيين، فأنشقاق اليمين المتطرف وتصدعه سيرمي بشظاياه على جسد العملية السياسية في فنلندا، ويصيبها بجراح بارزة، وان استطاع رئيس الوزراء الاستمرار بحكومته الحالية، وبرنامجها المعلن، وحتى وان اجتاز جلسة التصويت بالثقة المقررة في الايام القريبة القامة، فان الايام ستحمل معها مفاجئات اخرى، خصوصا ان كل هذا لم يكن بمعزل عن تنامي حركة الاحتجاج الشعبي، حيث عانى ذوي الدخل المحدود، من سياسة الحكومة الحالية، التي سماها الشارع الفنلندي بـ”حكومة الاغنياء”، التي تملك حاليا 106 فقط  نائبا في البرلمان من اصل 200، مما يعني انها اغلبية بسيطة وهشة وعرضة للتحطم تحت تاثير الكثير من التوقعات المفاجئة والازمات القادمة ، في الوقت الذي تظاهرت منظمات مجتمع مدني وقوى سياسية مطالبة  برحيل الحكومة واجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
* طريق الشعب العدد 209 ليوم الاثنين 19 حزيران 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here