حلبجة تستشهد من جديد ..!

كريم المدرس*

لايخفى على القاريء الكريم ان الشعب الكوردي دخل التاريخ من باب المآسي والنكبات والمؤمرات الدولية التي حيكت ضده على مر الازمان، لكن استشهاد مدينة حلبجة اثر قصفها بالكيمياوي عام 1988 من قبل نظام صدام حسين، الذي ادى الى ازهاق ارواح خمسة الاف شخص (رجالا ونساء واطفالا) وجرح عشرة الاف، وتشريد الاف اخرين في وهلة، لم يعرف المدينة بالعالم فحسب وانما غدت حلبجة رمزا لدى المنصفين للمظلومين الذين سكت العالم في حينه ليس عما خلفه القصف، وانما سكت عن استخدام الاسلحة المحرمة الدولية ضدها .

هذا الشعب المسكين، وخصوصا سكان مدينة حلبجة دفعوا ضرية مغامرات صدام حسين في حرب لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل، الحرب الهمجية التي شاور صدام ( بحسب مقال قراته مؤخرا لاحد الكتاب الاساتذة في موقع الشرق الاوسط لكن للاسف خانتني الذاكرة في تذكير اسمه) قبل نشوب نيرانها جلالة ملك السعودية في حينه بانه يود ان يجر من لحية خميني ويسحبه في الشارع، لكن جبروته في حينه وفخ البعض فيه جعله يسخر من نصيحة جلالة الملك الذي قال له (لاتجر انت من لحية خميني، ولاهو يجر من ربطة عنقك) ولم يتعض منها، حتى حصل للبلد ماحصل بحيث لايمكن ان يتصور عودة العراقالى عافيته على المدى القريب على الاقل. لكن صداما كان يود ايضا ان يضرب عصفورين بحجر واحد وهو ان الشعب الكوردي الذي قاوم عنجهيته من اجل تحقيق بعض حقوقه القومية كان في تصورهمخربا وعميلا للاجنبي، بل وسببا من اسباب عدم استقرار البلد برمته، ولم ياخذ بالقول ان حل المشكلة الكوردية في العراق (وحتى في الاجزاء الاخرى من كوردستان الموزعة كالكعكة على اربعة بلدان) كفيل باستقرار البلد او البلدان التي قسمت كوردستان عليها منذ مائة عام مضى، وانما ظن ان استخدام السلاح الكيمياوي ممكن ان ينهي مخاوفه تلك، ويمحي في الوقت ذاته سيرة شعب باكمله وتنتهي المشكلة.

حاول الشعب الكوردي، لاسيما السلطات السياسية تجاوز هذه الفاجعة (حلبجة) ونسيانها، والبدء بيوم للعمل من اجل تحقيق غد يعوض للكورد بعض ما لحق به من مآسي ومظالم، غير ان العوائل المشردة بقت عينهم منذ (29) عاما الماضية على البابليسمعوا منه الطرق بيد أي من اطفالهم المشردين الذين لايعرف شيئا عن حقيقة بقائهم حيا كانوا او ميتين. وهكذا الحال بالنسبة لهؤلاء الاطفال الذين احتضنتهم ايران في وقته كانت نصبوا اعينهم على الامل الذي قد يجمعهم يوما من الايام باحد والديهم ان كانوا هم ايضا على قيد الحياة ..!

الان وبعد مضي تسعة وعشرين عاما على هذه الفاجعة، فقد بات اعمار الاطفال الصغار الذين نجاهم الله بمعجزة لايتوقعها العقل السوي، كبروا وقارب اعمار اصغر طفل منهم (29) سنة في تقدير اذا كان رضعا اثناء وقوع الحادثة (وهم كثر)، وباتوا يعودون واحدا تلو الاخر من خلال البحث عن اهاليهم المتبقين (ان كانوا في قيد الحياة حتى الان)  الامر الذي غدا بمثابة استشهاد جديد وقصف جديد بالكيمياوي لان الجرح يؤلم المدينة من جديد كلما عاد أي من هؤلاء الاطفال ..!

وعلى سبيل مثال فقد تم العثور مؤخرا على طفلة من بين هؤلاء الاطفال المشردين عادت من خلال منظمة خيرية تعمل في مجال البحث عن الاطفال المشردين بسبب القصف الكيمياوي واعادتهم الى اسرهمتدعى ( مريم بالوجيان) تبلغ من العمر بحسب الوثائق الرسمية ثلاثين عاما، وسلمتها المنظمة بعد البحث والتحقيق الى عائلة تطابقت المعلومات الاولية المتوفرة لدى المحامين مع معلومات عائلة من تلك العوائل المتبقية وقد حصل ماحصل من الفرحة بين الجانبين (العائلة والبنت المعثور عليها)، لكن بعد ايام ظهرت نتائج الفحص  (DNO) عدم تطابق النتائجالمعثور عليها هي فتاة تدعى ( هاوناز احمد قادر)، ، اضافة الى العثور على صور للطفلة (هاوناز) والوثائق الشخصية التي تظهر اختلافا في العمر والملامح، وان محكمة حلبجة تبت منذ شهور في الحالة وقضت في قرار لها ان الطفلة ( هاوناز احمد قادر) ليست ( مريم بالوجيان) لان الثانية متوفية والاولى مازالت على قيد الحياة وهنا حصلت الكارثة مجددا..!!

وخلف قرار المحكمة حالة مرض نفسي سيئ لام الطفلة بحسب العاملين في هذا الملف والتي ربما عودت نفسها حتى الان على تحمل فقدان بنتها وان لم تفقد امل عودتها ليس هذا فحسب وانما خلقت الحالة هذه شكوكا لدى باقي العوائل الاخرى التي لازالت تبحث عن اولادهم المفقودين اثر جريمة القصف المروع اذا ماعثروا عليهم يوما ما.

والاكثر تالمأ هو ان الحادث المت جروج الشعب الكوردي من جديد الذي يرى حتى الان نفسه وحيدا في ساحة مقاومة الظلم والحيف الذي مازال يلحق به تحت مسميات متعددة، ولذلك فان حاجته اليوم الى مساندة الشعب العربي والشعوب الاسلامية له اكثر من أي وقت مضى لينال بعض حقوقه الانسانية، ثم القومية ويضمن مستقبله ويعيش كباقي الشعوب باطمانان على حياته وتنتهي مخاوفه من انهيار ما يبنيه بدم ابنائه من امال بمستقبل مشرق في اية لحظة. وافضل مايمكن ان يقوم به الشعب العربي والشعوب الاسلامية ونحن على ابواب اجراء الاستفتاء على مصير اقليم كوردستان في ايلول القادم هو دعمهم ومناصرتهم لدعوة رئاسة اقليم كوردستان كتعويض له لما فاتته من فرصة العيش كباقي خلق الله بحرية وامان  في وقت بات يمارس الاستقلال فعلا على ارض الواقع بعد انتفاضته المجيدة عام 1991 ولم يبق الا شرعنته دوليا.

 

 

كاتب صحفي من اقليم كوردستان العراق

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here