أيتكرر الدرس مثنى وثلاث ورباع؟

علي علي
لا أظن أحدا يخالفني الرأي أو يعارضني، إن قلت أن التحالف الدولي عام 2003 هو الذي اطاح بالدكتاتور صدام حسين وليس العراقيين، ولا أعتقد أن هناك من ينكر كم كانت صعبة -بل مستحيلة- إزاحته شبرا من كرسي التسلط والتحكم لو بقي الأمر على العراقيين وحدهم، ودليل كلامي هذا هو ماحدث بعد الانسحاب من الكويت، عقب الانتفاضة الشعبانية عام 1991 يوم صار سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى من محافظات العراق جميعها، لولا اتباع النظام سياسة القمع الدموي التي فتكت بالثائرين ضد النظام، والمطالبين بنهاية جثومه على صدور العراقيين، بعد أن انزلق البلد على يده شر منزلق، وضاع من حقوق الشعب الكثير بل الكثير جدا، تحت أنقاض الحروب والسياسات الهوجاء التي مارسها ضد فئات البلد وشرائحه كافة.
وكلنا يذكر الأيام الأولى لسقوط النظام بعد التاسع من نيسان من ذاك العام، وكيف بعث هذا الحدث في نفوس أغلبنا -وليس جميعنا طبعا- أملا كبيرا لتحول كبير في حياة العراقيين، لاسيما الذين جايلوا عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، والذين ذاق أغلبهم مرارة السياسة المتبعة آنذاك، والنهج الذي كان مفروضا عليهم رغما عن أنوفهم، إذ كانت أيامهم تسير ككابوس في ليل بهيم.
ولكن الذي حدث هو تماما عكس ما تشتهي السفن، فقد بسط هذا الشبح جناحه المرعب على مدن الوسط والجنوب، ومارس على سكانها كل مايمتلك من وسائل الانتقام، فأفرغ جام غضبه على المواطنين مستغلا الحصار يدا ضاربة، ضمها الى باقي أياديه المتمثلة بأزلامه وحزبه، فغاب خلف قضبان السجون من غاب، وزهقت أرواح بعضهم، ولم يجد بعض آخر من الأحرار بدا من الهجرة خارج أرض الوطن للخلاص بـ (العزيزة)، ولم يتغير الحال إلا الى الأسوأ حتى جاء عام له أسماء عدة، فمنا من أسماه عام التحرير.. وآخرون أسموه عام الاحتلال.. وكذلك عام السقوط.. وعام الغزو.. وهو في كل الأحوال تحقق فيه حلم واحد هو الخلاص من الصنم، وهذا بحد ذاته غاية المنى والطلب ولكن، الذي حدث بعد ذلك كان أكثر من مهول وأغرب من العجائب والغرائب، وقد هون العراقيون على أنفسهم وطأة الأحداث بإلقاء اللائمة في سوء ماحصل في بداية الأمر، على طريقة الإدارة سيئة الصيت التي أنشأها بول برايمر حينها. ولكن الأمر لم يقف على هذا الرجل لينزاح بانزياحه، فقد كان لمن أخلفه ومن تصدر عتبات المراكز القيادية في البلد شر إدارة، ولم يفلح أحد من مسؤولينا بتجاوز المحن التي صادفت البلاد، بل كان الأمر أكثر سوءا، لاسيما وان الهادمين أكثر من البنائين كما يقول الشاعر:
لو ألف بانٍ خلفهم هادم كفى       فكيف ببان خلفه ألف هادم
وهذا الحال مازال قائما رغم مرور عقد ونصف على ذاك العام المتعدد الأسماء، ويالخيبة العراقيين حين يرون الحال أسوأ بفعل الهادمين يوما بعد آخر، رغم حجم أملهم بمن ينتخبونه، ورغم ظنهم بان القفز فوق العقبات يسير على يديه بانسيابية، ولكن، يبدو ان العراقيين قد قاربوا الى حد ما وصف الشاعر في بيتيه:
عجبا للزمـان في حالتيه                   وبـلاء ذهبـت منـه إليـه
رب يوم بكيت فيه فلما                    صرت في غيره بكيت عليه
في مقبل الأيام، تلوح للعراقيين خفايا ومفاجآت -ليست سارة طبعا- من ساستهم، فالأمل كل الأمل أن يتحملوا ويصبروا على ماجنت عليهم اختياراتهم السابقة في صناديق الاقتراع، والتي أتت أكلها (حار بحار) فور تسنم مرشيحهم عتبة كراسي التحكم واتخاذ القرار. هو درس دفعوا ثمنه باهظا، والحاذق اللبيب من يفهم الدرس جيدا من أول مرة، وليس بتكراره مثنى وثلاث ورباع.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here