الموصل أم النكبتين

سالم سمسم مهدي

حالتين دفعتني لكتابة هذه السطور الأولى لعوائل مهجرة يطاردها الموت هرباً من نيران الدواعش تعرضها القنوات التلفزيونية وغيرها استضافتها قناة الشرقية في برنامج فطوركم علينا حيث تحكي كل عائلة مأساتها وهي تهرب نحو المجهول والثانية لفيديو يعرض طفلاً لا يتجاوز عمره السنة وبضعة شهور وهو بين يدي أفراد القوات الأمنية بعد إنقاذه من بين الأنقاض …

كان وجه الطفل ورأسه وكل جسده معفر بالتراب ومن خلال ما ذُكر وسُمع من المقاتلين فأن به بعض الإصابات الطفيفة ولكنه في كل الأحوال مشهد يُقطع أنياط القلب ويجعل الإنسان يشمئز من هذه الحياة التي يتكالب عليها الطامعين والعتاة والمنافقين …

فجأة تحول هذا الطفل إلى يتيم الأم والأب وظل الوحيد حيا مع جثث لمدة اربع وعشرين ساعة من دون أن يعيّ السبب وكان تصرف الجنود البالغ الإنسانية لتهدئة روعة وسكب الماء على جسده وغسله وتضميد جراحه وهو خائف باكي بين أيادي أشخاص لم يألفهم من قبل يضيف هذا التصرف النبيل الكثير من المأساوية على الصورة التي كان فيها هذا البريء …

لا أخفيكم أنني لم أتمالك نفسي على ما اصاب هذا العراقي وأقولها صادقاً أن مشاعري لن تختلف حتى لو كان من أي بلد أخر ولكن للعراقية في قلبي شأن مختلف وشعرت بالدوار على ما أصاب طفل لا يدرك الوضع الذي أصبح فيه فجأة وهو واحد من آلاف الأطفال …

أجريت الاتصالات مع بعض الأصدقاء والمعارف للاستفسار عن هذه الحالة فكان الجواب عن أي طفل تستفسر فأن هناك حالات كثيرة لا تعد ولا تحصى لأطفال غير الذي تقصده وسمعت أن القوات الأمنية عثرت في الموصل على طفل بعمر أقل وقد قُتل أهله وأنه أستطاع العيش لأنه كان يشرب من دم والده المتوفى النازف بقربه وقد وجد مسعفيه معدته مليئة بالدم …

أنها أخبار يشيب لها رأس حتى الرضيع الغيور تلك التي تصل ألينا من أم الربيعين التي كانت يوما ملاذا للهارب من سموم الصيف وللترويح عن النفس فأصبح منظر العوائل والأطفال والشيوخ تطاردهم قذائف الموت من دون ان يكون بوسعهم التفكير في فرصة مناسبة للخلاص من هذا المأزق المرعب لان الوقت يمر بسرعة وإما الموت وإما الحياة …

لقد نُكبت الموصل على مرحلتين الأولى عندما أستطاع الدواعش اجتياحها بسبب قلة التدبير وضعف التأهب والعدة فوقعت فريسة سهلة بيد هؤلاء الاوباش ومرتزقتهم والثانية في عمليات التحرير حيث ملء الحاقدون على العراق الشوارع والأزقة والبيوت بالمتفجرات مما سبب تدمير شبه كامل للمدينة العاجزة عن الدفاع عن ذاتها…

كل هذا الوضع الذي هي فيه يجعل من الانصاف تعليق وصف ( أم الربيعين ) عنها في الوقت الحاضر والأدق ان تُسمى ( ام النكبتين ) حتى تتم ازالة واحتواء اثار العذابات التي فيها اطفالها وسكان المخيمات وأولئك الذين في العراء وهذا ما يتطلب جهداً حثيثاً من عقول نيرة مبدعة نحتاج لها جميعا ً.

سالم سمسم مهدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here