حوار مع القلم!!

يبدو أن من الصواب أن نحاور القلم ونستبطن ما يعتلج في مواطن أعماقه , وما هية أفكاره وتفاعلاته , ولهذا حملت أسئلتي وتحدثت مع القلم , وبدأت معه بسؤال غريب!!
فقلت: لماذا تكتب أيها القلم؟
قال: الجمرات تلد لهبا!!
قلت: وما علاقة ذلك بالسؤال؟
قال: الكتابة إعتلاج داخلي , وبركان ثائر في الأعماق , ولا يمكن لوعاءٍ أن يكتم أجيجه , لأنه سينفجر , والكتابة إنسكاب متواصل لهذا الإشتعال المتوقد أبدا في دنيا الكاتب.
قلت: لكن الكثيرون يكتبون.
قال: هناك مَن يكتبون وهناك مَن يمتهنون الكتابة , بمعنى يهينونها ويذلونها!!
قلت: وكيف يكون ذلك؟
قال: الكتابة حمم تمور في براكين الأعماق , تسبكها حرارة الوجيع على مواقد الوعي والإدراك العميق , فتندلق ساخنة سيّالة ذات أزيز تفزع منه السطور.
قلت: وعن أي كتابة تتحدث؟
قال: الكتابة الأصيلة التي تنخلع معها روح الكاتب ومهجته , ويكون فيها حيا خالدا في تيجان الكلمات وعروش العبارات , فالكاتب الأصيل يستولد ذاته , أو يلد من رحمها حيا متسرمدا في كلمات كالجمرات التي تتحدى الخمود.
قلت: تعني أن الكتابة إستنزاف طاقات الحياة؟
قال: إن الكاتب الحقيقي يموت مع كل كلمة يخطها , ويعيش في مواجعه التي تلاقحت في دنياه وأوجدت كياناتها المتميزة القدرات.
قلت: أيها القلم وكيف تعرف ذلك؟
قال: من الأصابع التي تمسكني , فالكتابة الحقيقية تكويني أنامل كاتبها وتحيلني إلى جمر ملتهب تصرخ من نيرانه السطور , والكتابة الباهتة , تشعرني بثقل الأصابع التي تمسكني , وتمدني بزمهرير الإرتجاف والإعتلال والذبول.
قلت: وبأيهما تأنس؟
قال: الأصابع المثقلة ببراكين أفكار ومفردات صاخبة متفجرة متناسقة متواشجة مع عروق الأكوان , رغم أجيجها الوقاد , لكنها تمنحني لذة الإبداع الفائق , وهذه حالة إدمانية وإنتشائية لا تماثلها نشوة في الوجود.
قلت: عمّاذا تتحدث؟
قال: لذة الكتابة والتزحلق على أديم السطور.
قلت: وهل في الكتابة لذة وأنت تصفها بالبركان اللّهاب؟
قال: الإحتراق ببراكين الأعماق الأجّاجة من أروع التجارب الإنسانية وأعظمها متعة وشعورا بالحياة.
قلت: التلذذ بالإحتراق  , يعني إنحرافا سلوكيا.
قال: أنظرها كما تريد , فالكتابة قد تكون مرضا , وإدمانا , وتعبيرا عن سلوكيات متنوعة كامنة في جيبنات الكاتب , ولكل كاتب دافعه الخفي وما يجلده من الأفكار وما يكويه من الجمرات , لكن الخلاصة المشتركة , أن الكتابة سلوك مترافق مع البشر منذ الأزل , وهي أصل الإبداع والرقاء والنماء المعرفي والفكري والروحي والنفسي , وبواسطتها بنيت الحضارات.
قلت: وماذا عنك؟
قال: أنا طيّعٌ وبي يسطرون
قلت: ولماذا هذا الإذعان؟
قال: إن الكلمة مسؤولية , وأنا شاهد على ما يكتبون , فالذي يقبض على مصيري عليه أن يُدرك بأن الكلمة حبلى بفكرة , والفكرة متصلة بينابيع ذات منطلقات وإرادات متباينة العطاء والغايات , ولكل غاية وسيلتها الظافرة بها , ولكل كاتب سبيله إلى مدائن ما فيه , فالكاتب يسكب ما يغلي فيه , ولا يدري في أكثر الأحيان لماذا يتشظى ويذوب ويمضي في متواليات الإندفاق الصخيب.
قلت: أصابني الدوار مما تقول , وما عدت قادرا على التواصل معك.
قال: الضوء الساطع يعمي البصائر قبل العيون , ومن الأفضل أن تتمتع بالعماء , والنوم السقيم , وعليك أن لا تستيقظ ولا تريم.
قلت وقد إرتعدت مفرداتي وإرتجفت أصابعي : أن القلم علينا رقيب.
وأطفأت مصابيح يقظتي , وتدحرجت فوق سفوح الإعتياد على الخمود , فحدجني القلم متأسفا , وكأنه شعر كان يجب عليه أن لا يبوح بما فيه ويعتريه , لأن البشر لا يسمع ولا يتبصر بالجوهر المنير.

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here