العراق وعلاقاته الخارجية (لا عدو دائم ولا صديق دائم)

رضوان العسكري

الكل يعلم بإنحسار علاقات العراق بمحيطه الإقليمي، منذ تسعينات القرن الماضي والى الآن، بسبب سياسات الحكومة السابقة، اما اليوم فهو بسبب تغيّر لون الحكومة الحالي، كادت ان تكون العلاقات بدول الجوار شبه معدومة، إلا مع عدد محدود منها، مع كونها علاقات خجولة، تكاد تكون مقتصرة على التمثيل الدبلماسي فقط.

جرت عدة محاولات من جانب العراق، ما بعد 2003 لإعادة تلك العلاقات، وبالذات مع دول الجوار، الرافضة للعراق الجديد، لكنها سرعان ما تفشل، لأسباب معلومة من جملتها محاولة لتحجيم العراق, وفرض ارادات لبعض الدول عليه, من خلال ممارسات عدوانية إتجاهه، لعزل العراق عن محيطه الإقليمي, ودفع الإرهاب بإتجاهه، ليكون ورقة ضغط تمارسها بعض الدول كالسعودية وقطر على العراق.

غالبية الكتل والأحزاب السياسية، تربطها علاقات بعض تلك الدول، جعلتها تستهدف بعضها البعض، ادت الى الضغط على الحكومة في الحد من علاقاتها الخارجية، خشية من مواجهة الحملات التسقيطية التي ستوجه ضدها، هذا من جانب، اما الجانب الآخر: وهو إن العراق حاول مراراً وتكراراً ان يحسن تلك العلاقات، الا ان تلك الدول سعت للحد من علاقاتها مع العراق، بسبب الخلافات المعمقة بين الدول نفسها، مثلاً السعودية ترفض علاقة العراق بإيران والعكس، قطر لن تروق لها علاقة العراق بالسعودية، وعلى العكس بسبب خلافاتهم المتجذرة، بعض الدول العربية الأخرى سارت بنفس الإتجاه بالضد من العراق، لإرضاء السعودية وغيرها، لمصالح سياسية وإقتصادية تخشى عليها.

إن المهمة الاساسية في إعادة بناء تلك العلاقات، هي سياسة الحكومة ووزارة الخارجية العراقية، وسفراء العراق في تلك الدول، الا إن وزارة الخارجية في عهد (زيباري)، جيرت كل إمكانياتها من اجل القضية الكردية، ودولة البرزاني المزعومة، ولم تهتم بالقضية العراقية الأساسية إطلاقاً، اما سفراء العراق وبسبب إنتمائهم الحزبي والطائفي وإبتعدوا عن تلك المهمة، وإنشغلوا بترتيب علاقات احزابهم مع تلك الدول.

إن من مهام عمل السفارات، هو ترتيب الأوراق المختلف عليها سياسياً وأمنياً وإقتصادياً، والبحث عن مصالح جديدة مشتركة، بين الدول التي يزورها رئيس الحكومة، أو الوفد الحكومي، وإلا ما الفائدة من تلك العلاقات بغياب تلك الملفات، لأن اصل العلاقات الخارجية مبنية على أساس المصالح المتبادلة.

زيارة العبادي بعد القضاء على داعش، تختلف كثيراً عما قبل، لأن العراق اصبح اقوى من ذي قبل، وهذا يعزز موقف العبادي اكثر، لكنه الأخير سيصطدم بهجوم عنيف من قبل خصومه السياسيين، واولهم كتلته التي إنشق منها، ولجملة اسباب اهمها: لان لا يحسب ذلك نجاحاً له، والثاني من اجل الإزاحة المستقبلية، لأن من فشل في تحقيقة ذلك لا يسمح للأخير بالعمل عليه، مع إن البعض يعتقد إن تلك الزيارات لا تجدي نفعاً، لتجارب سابقة ومحاولات فاشلة، سعت الى تحسين تلك العلاقات مع الدول ذاتها.

هناك رأي آخر مختلف يقول: إن تلك الدول قررت اخراج العراق من عزلته، وإعادته الى الحضن العربي، لأن العراق اصبح اقوى من السابق، بعد الإنتصارات التي حققها مع داعش، وإن وجوده الجغرافي يحتم على الدول ان تعيد حساباتها جيداً، لأنه المنفذ البري الوحيد لهم بإتجاه أوربا، والأهم من هذا كله هي محاولة لجره من المحور الإيراني الروسي السوري، ولا نعتقد بل نكون جازمين إن العراق لن يضحي بذلك المحور إطلاقاً، لكنه يسعى لبناء علاقات عربية وإقليمية جديدة في المنطقة، مبنية على اساس المصالح المتبادلة، كما إن العراق بإمكانه ان يكون له دوراً فاعلاً، في السعي لحل بعض المشكلات بين عدد من الدول، كإيران والسعودية مثلاً، كما كان له الدور الأساسي في المحادثات بين إيران وأمريكا.

إن من أهم ما يلقى على عاتق الحكومة، ما بعد القضاء على داعش، هو إعادة النظر في علاقاته الخارجية، مع جميع دول الجوار والمحيط الإقليمي، لا بل عليه البحث عن علاقات محورية مبنية على اساس المصالح المتبادلة، بين جميع تلك الدول، لأن السياسة ليس فيها عدو دائم ولا صديق دائم، كما على الحكومة ان تبحث عن مصلحة العراق، ولا تنساق خلف الإعلام الداخلي المعادي لحركتها، فإذا بقيت مقيدة بذلك الإعلام لن تستطيع ان تقدم شيئاً للعراق، فلا بد للمصالح العامة ان تكون اولى من المصالح الخاصة الضيقة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here