القضاء ساحة الحق وليس تصفية الحسابات

سلام مكي

رغم الضغوطات الكبيرة، والسياسات الخاطئة التي تقوم بها السلطة السياسية، الا ان القضاء، كسلطة، مازال يقاوم سيول الفساد والمحسوبية التي جرفت باقي السلطات، واحتفظ لنفسه بكم كبير من النزاهة والشفافية التي كلفته الكثير من منتسبيه.

ما يحدث اليوم، للأسف، محاولة السلطة السياسية، لجعل القضاء ساحة لتصفية الحسابات الشخصية. ليس السلطة فحسب، بل ثمة مؤسسات، وموظفون صغار، ساهمت قوانين مؤسساتهم، بأن يورطوا موظفين ومسؤولين، بملفات فساد وهدر بالمال العام، دون وجه حق، وهو ما ساهم بخلق حالة من الضغط الوظيفي وكثرة القضايا المعروضة امام القضاء، خصوصا محاكم التحقيق المختصة بقضايا النزاهة. حوادث كثيرة، شهدتها هذه المحاكم، امواج من الكراهية، وتصفية الحساب، والانتقام، تكسرت على صخرة القضاء.

قضية احيلت الى النزاهة، من قبل احدى الجهات الرقابية، تهمة الموظف المحال، هو مبلغ الإيفاد الذي زاد عن الحد المقرر بمبلغ أربعين الف دينار فقط. هذا المبلغ، تسبب بإحالة موظف بريء الى المحاكم. القاضي، لا يمكنه الا ان ينظر القضايا التي تطرح امامه. لم تفكر هذه الجهة، ان ثمة تكاليف واموالا ستصرف، لقاء النظر بهذا المبلغ، اضافة الى ان وقت القاضي مهم، وثمين، ويمنح له راتب ومكانة، لكي يقوم بإحقاق الحق، واعادة الحق الى اهله، وانصاف المظلوم، وليس للنظر بأمور لا علاقة لها بالقانون ولا بالمال العام.

لو تم تجاوز هذه القضايا، عبر تشريع خاص بها، يعالج مثل هذه الحالات، لتم تجنيب القضاء مسؤوليات اضافية، حيث يمكن للقاضي ان يوفر وقته، للانصراف في دراسة القضايا المهمة، خصوصا تلك المتعلقة بالمال العام، ونحن نعاني منذ التغيير ولحد الآن من اهم مشكلتين: الارهاب والفساد. الفساد، لا يحل عبر خنق الموظفين الصغار، ومحاسبتهم على مبالغ، لا تعادل ثمن الورق والحبر والكهرباء الذي يصرف عليها. ويعطل القاضي عن القضايا الأهم. نحتاج الى اعادة القول، بضرورة تولي القضاء متابعة القضايا التي تخص الفساد والمال العام، بنفسه، بعيدا عن اي سلطة. القضاء الذي أنصف الكثير من الأبرياء، وتسبب بتعطيل وايقاف المزاجات الشخصية لبعض المسؤولين الذين يحاولون معاقبة الموظف عبر احالته الى القضاء. وهو امر انتبه له قضاة التحقيق مؤخرا، وتمت معالجته من قبلهم، عبر تطبيق القانون واحقاق الحق. لو قام القضاء بتولي هذه المسؤولية بنفسه، لوفر الكثير من الوقت والجهد على قضاة التحقيق. وهو امر لا يحتاج الى تدخل تشريعي، كما قلنا سابقا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here