جامع النوري ومنارته الحدباء.. صمد 844 عاماً ونجا من المغول “فدمره داعش”

“الجامع النوري” أو “الجامع الكبير” أو “جامع النوري الكبير” ابرز مساجد العراق التأريخية .. يقع في منطقة محلة الجامع الكبير اقدم مناطق الساحل الأيمن غربي مدينة الموصل… ظل صامداً ما يقارب 844 عاماً، ونجا من غزو المغول، إلا أنه لم يسلم من تنظيم داعش.

مسجد “النوري الكبير”، بناه مؤسس الدولة الزنكية، الأمير نور الدين محمود زنكي، في عام 1173م، بمدينة الموصل، وسمي الكبير لسعته وفخامة بنائه، واشتُهر أيضاً بمنارته الحدباء.

ورغم صمود المسجد مئات النسين، فإنه دُمر اليوم الأربعاء 21 يونيو/حزيران 2016، حيث قال قائد عمليات “قادمون يا نينوى”، الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله، في بيانٍ، مساء الأربعاء 21 حزيران 2017: “أقدمت عصابات داعش الإرهابية على ارتكاب جريمة تاريخية أخرى، وهي تفجير جامع النوري ومئذنته الحدباء التاريخية” بالمدينة القديمة غرب الموصل.

بناه “نور الدين زنكي” في القرن السادس الهجري أي أن عمره يناهز التسعة قرون، ويُعتبر الجامع ثاني جامع يبنى في الموصل بعد الجامع الأموي.

يشتهر الجامع بمنارتهِ المحدَّبة نحو الشرق، وعادة ما تقرن كلمة الحدباء مع الموصل، وتعد المنارة أحد أبرز الآثار التاريخية في المدينة.

شهدت الموصل نهضة عمرانية واسعة بعد مجيء نور الدين زنكي إلى المدينة، ولم يبق من البناء الأصلي للجامع سوى المنارة والمحراب وبعض الزخارف الجبسية.

ووكل نور الدين شيخه “معين الدولة عمر بن محمد الملاء” بأمر بناء الجامع، وباشر الشيخ عمر ببناء الجامع سنة 566 هـ ، فاشترى ارضه من أصحابها بأوفر الأثمان، وكان يملأ تنانير الجص بنفسه، وبقي يشتغل في عمارة الجامع ثلاث سنوات، إلى أن انتهى منه سنة 568 هـ.

الانهيار هدد المئذنة عبر مراحل التاريخ بسبب الإهمال، وكانت هناك عدة محاولات لإصلاحها من قبل وزارة السياحة والآثار العراقية، إلا أن هذه المحاولات لم تكن بالمستوى المطلوب.

وبعد الاحتلال المغولى للموصل لاقى هذا الجامع كغيره الكثير من الإهمال والتخريب، ودُمرت الموصل تدميرا شبه كاملا سنة 1146 هـ ، 1734م.

وفي القرن الثالث عشر الهجري حاول محمد بن الملا جرجيس القادري النوري ترميم الجامع. اتخذ له في الجامع تكية عام 1281 هـ، 1865م.

قام المستشرق الألماني “ارنست هرتسفلد” بدراسة عن الجامع في أوائل القرن العشرين، ومع مرور الزمن تدهورت حالة الجامع، فقد قال “متصرف الموصل” تحسين علي، في مذكراته، (1939م) كان الجامع “مهدما ومهجورا لا يصلح لاقامة الصلاة”، ليتم تسويعه في العام 1944 واستخدام البناء الجديد من الرخام وبني فيه أربع منائر أخرى .

قال ابن بطوطة في رحلته، “وبداخل المدينة جامعان أحدهما قديم والآخر حديث وفي صحن الحديث منهما قبة في داخلها خصة رخام مثمنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء بقوة وانزعاج فيرتفع مقدار القامة ثم ينعكس فيكون له مرأى حسن”.

وذكرها أيضا الرحالة الأجانب ومنهم جيمس سلك بكنغهام والذي زار المنطقة في بداية القرن التاسع عشر، وقال ان الجامع “كان سابقا كبيرا وجميلا، لكنها الان مدمرة بالكامل”.

تأثرت عمارة المآذن في الجزيرة بالمعمار الفارسي (السلجوقي تحديدا) ولكن اخذت طابعا خاصا محليا ويمكن مشاهدة ذلك في المدن القريبة للموصل ك‍أربيل وماردين وسنجار.

يشتهر الجامع بمنارته المائلة والتي تسمى غالبا منارة (الحدباء) وسابقا “المنارة الطويلة” وتعتبر أعلى منارة في العراق في ذلك الوقت.

وكلمة الحدباء هي أحد القاب الموصل وقيل ان هذا اللقب ياتى من اسم المنارة، والراجح ان سبب انحنائه نحو الشرق هو الريح السائدة الغربية في الموصل، حيث تؤثر هذه الرياح على الاجر والجص المبنية منه هذه المنارة فأدت إلى ميلانها إلى جهة الشرق، وتقع المئذنة في الركن الشمالي الغربي من حرم الجامع.

وللمنارة قسمين أحدهما اسطواني وآخر منشوري، القسم الاسطواني يعلو القسم المنشوري ويشمل على سبعة أقسام زخرفيه أجريه نافرة على شكل حلقات، ولها مدخلان يصل كل منهما بواسطة درج إلى الأعلى، فجعل المعمار إبراهيم الموصلي سلمين في باطن المنارة كل منهما منفصل عن الآخر، يلتقيان عند منطقة الحصن في الأعلى، فالصاعد إلى الأعلى لا يرى النازل إلى الأسفل.

كما عمد المعمار على جعل سلمين للمئذنة وكان الهدف الأساسي تخفيف ثقل المئذنة الكبير على القاعدة.

وهذا النوع من السلالم انتقل تأثيره إلى منارة سوق الغزل التابعة لجامع الخلفاء في بغداد، والمئذنة المظفرية في أربيل، ومئذنة خانقاه الأمير قوصون بصحراء السيوط.

اعيد ترميم المنارة في أوائل القرن العشرين، وكان في بدن المنارة فجوة وكانت المسافة بين حوض المنارة والفجوة حوالى عشرين مترا.

في العام 1981 م، قامت شركة إيطالية بمحاولة لتثبيت المنارة، علماً بأن القصف على الموصل في فترة الحرب العراقية الإيرانية كسّرت بعض أنابيب المياه تحت الأرض وتسببت في تسرب أدت إلى اضعاف بنية المنارة، ما ازداد احتداب المئذنة منذ تلك الفترة بحوالي 40 سنتيمتر.

وفي محاولة أخرى قامت وزارة السياحة والآثار العراقية بمحاولة ترميم المنارة بضخ كميات من الاسمنت المسلح إلى قاعدة المنارة للحفاظ عليها، إلا أن هذه العملية لم تكن أكثر من حل مؤقت.

ظهر زعيم تنظيم “داعش” الملقب أبو بكر البغدادي وخطب الجمعة في الجامع يوم 6 رمضان 1435 هـ / 4 تموز 2014 م.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here