ثارا للحدباء

محمد رضا عباس
من حق اهل الموصل الثائر لمحافظتهم من اشرار عناصر داعش ومن ساعدهم ورحب وصفق لهم في المحاكم العراقية والدولية. من حق اهل الموصل ملاحقة العناصر التي كانت تقف على منصات الذل والخيانة عام 2013والتي كانت تطالب بأسقاط الدستور والعملية السياسية واسقاط بغداد، والتي كانت السبب الرئيسي في دخول داعش العراق واحتلال ثلث اراضيه. منارة الحدباء بقيت تسعة قرون واقفة بشموخ تمثل رمزا لتقوى اهل الموصل , وقفت شامخة امام كل عاديات الزمن و امام كل الغزوات , ولكنها لم تنجى من يد داعش . داعش لم يبقي اثر تاريخي او ديني تعتز به نينوى , , فمن حق اهل نينوى الانتقام من داعش ومناصريه أينما كانوا في العراق او في خارجه . اهل الموصل لديهم قضية عادلة لا تحتاج الى محامي بارع , ولكنها تحتاج الى رجال اشداء ينتقمون لمحافظتهم من عناصر داعش ومن فتح الطريق لهم ورحب بهم وازرهم واحتضنهم.
ان اثار نينوى هي ليس ملك اهل الموصل وحدهم وانما لكل العالم و لجميع الأجيال القادمة , وبذلك فان تدمير المواقع الاثرية والدينية فيها على يد داعش انما هي خسارة للتراث العالمي يعاقب عليه القانون الدولي اشد العقوبات . انه ليس من العدل والانصاف ان يتمتع بالعيش الرغيد رافع الرفاعي وعلي حاتم سليمان ورعد السليمان و مزاحم الحويت و عبد الملك السعدي و اثيل النجيفي أصحاب فتنة المنصات , ولم يبقى لأهل الموصل معلم حضاري يشاركون العالم به. الموصل أصبحت مثل سامراء بدون القبب الذهبية ومثل الانبار بدون دواليبها. منارة الحدباء كانت رمزا لمدينة الموصل وشاهد على مجدها ,وان تدميرها سيترك جرح عميق في نفوس الشعب العراقي عامة وأهالي الموصل خاصة مدى التاريخ .
هؤلاء الذين تسلقوا منصات الذل والعار في الرمادي والموصل والحويجة والفلوجة يجب ان يحاسبوا على جرائمهم بحق الشعب العراقي وبالذات بحق اهل المنطقة الغربية. التظاهرات والاعتصامات هي التي اوت الإرهابيين و حرضت اهل المدن الغربية على القوات المسلحة العراقية , حتى اصبح العسكري العراقي غريب في ارضه ترمى عليه قناني الماء الفارغة ويضرب بالأحجار والحصى . انها التظاهرات التي شجعت المجاميع المسلحة (الجيش العشائري الذي كان يدعو له علي حاتم السليمان) من قتل الجنود العراقيين وهم في طريقهم لزيارة ذويهم. ان التظاهرات هي التي شجعت أبناء المدن الغربية عدم احترام القانون العراقي وعدم التعاون مع القوى الأمنية وجعلتهم يستقبلون عناصر داعش بالترحاب والتصفيق ويقتلون ابناءنا من القوات المسلحة العراقية في بادوش والصقلاوية والثرثار وسبايكر.
صحيح انه كان هناك تقصير من القيادة السياسية والعسكرية في البلد ولكن يجب ان لا ننسى دور القوى المضادة للتغيير والتي دخلت افكارها كل بيت من بيوت المنطقة الغربية , الى درجة ان اغلب المدن كانت ساقطة قبل ان يدخلها تنظيم داعش. لقد استشهد من استشهد من أبناء قواتنا المسلحة وهم يدافعون عن انفسهم في حزيران وتموز من عام 2014 , ولكن كان في المقابل شيوخ عشائر ورجال دين هلهلوا ورحبوا بقدوم تنظيم داعش الى مدنهم واعتبروا دخوله انتصارا للدين والعروبة . داعش لن يستطع قتل 2000 شاب عراقي في يوم واحد في سبايكر لولا عدم وجود تعاون معه من اهل المدن وبتحريض من زعمائهم من رجال الدين وشيوخ العشائر.
خسارة العراق المادية قدرت بمبلغ 350 مليار دولار , لكن هناك خسارة معنوية لا تقدر بثمن . من يستطع تقدير منارة الحدباء او جامع النوري الكبير ماليا او متحف الموصل او قبر النبي يونس؟ ومن يستطع تقدير خسارة ام لولدها العريس في اول سنته؟ ان مسؤولية تدمير المنطقة الغربية على يد داعش تقع بالكامل على كاهل رجال العشائر و شيوخ الدين الذين تسلقوا المنصات وعلى الحكومة العراقية العمل بكل جهد وإخلاص بتقديمهم الى المحاكم المختصة , حالهم مثل حال أي مواطن عراقي يحرض على القتل وتدمير الممتلكات العامة . أصحاب المنصات حرضوا المواطن من اهل الغربية على الحكومة العراقية المنتخبة وعطلوا التنمية الاقتصادية ودمروا المناطق الغربية وتسببوا في جرح واستشهاد عشرات الاف من المواطنين والقوات المسلحة العراقية. كل هذا الدمار و الدماء تقع في رقبة من حرض المواطنين ضد الحكومة وعلى الحكومة تقديمهم الى المحاكم المختصة ليحصلوا على جزائهم العادل.
لا يمكن القضاء على داعش وفكر داعش الا بالقضاء على من ساعد داعش الدخول الى العراق ورعايته وتأييده. يجب ان يقدم هؤلاء الى المحاكم المختصة حتى يكونوا مثل للأخرين ودرس للأجيال , بان من يخون الوطن مصيره الموت او الحبس الشديد. ان غض النظر على جرائم من وقف على منصات الذل والعار والخيانة , انما يفسح الطريق لظهور مجاميع إرهابية بأسماء مختلفة , ولكن الهدف هو واحد وهو كسر هيبة الدولة وتحديها . لا تحتاج الدولة الى جهد كبير لملاحقة من وقف على منصات عام 2013فهناك الصورة والصوت لكل واحدا منهم , وكل ما تحتاجه الحكومة هو تعيين مجموعة من المحاميين الشرفاء لرفع قضية خيانة الدولة ضدهم .
يبقى ان اهل الغربية هم الخاسر الاكبر من مغامرة زعمائهم العشائريين والدينيين والسياسيين. واعتقد انه لا يوجد بيت في المنطقة الغربية لم يتأثر سلبا بقدوم داعش الى بلدته. اهل الغربية امامهم طريق واحد لرجوع بلداتهم الى عافيتها وهذا الطريق هو كنس كل من تسبب في دخول داعش الى البلاد وسبب لهم الدمار وما تبعه من هروب الجماعي خوفا من بطشه. على اهل الغربية التخلص من زعمائهم الذين اشتركوا في مؤامرة سقوط الموصل وبقية المدن الغربية واختيار من وقف ضد داعش بالقلم والبندقية. من يعتقد ان العملية السياسية ستسقط , فهو على خطأ مبين. العملية السياسية سائرة , على علاتها, نحو الامام , وما على اهل المنطقة الغربية الا دعمها واختيار الصالحين منهم في الانتخابات المحلية والعامة القادمة. اختيار نفس السياسيين الذين جلبوا لهم الفقر والدمار سوف لن ينتج منه الا التخلف والعزلة وهذا ما لا يقبله الشرفاء منهم. ان عدم تحرك أبناء الغربية ضد زعمائهم الذين جلبوا لهم الذل والدمار والفقر , يعني استمرار مسلسل القتل والفقر والتخلف وبقاء مدنهم وتراثهم التاريخي والديني عرضة للدمار , تماما كما فعل داعش برمز نينوى , الحدباء والجامع الكبير وجامع نبي الله يونس.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here