الأزمة القطرية الى أين بعد تولّي محمد بن سلمان لولاية العهد؟

إندلعت وللمرة الثانية خلال ثلاثةاعوام أزمة حادة بين قطر بين جهة والسعودية والأمارات والبحرين من جهة أخرى. إذ أعلنت تلك الدول الثلاث بالإضافة الى مصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر اوائل شهر يونيو الجاري وفرضت حصارا جويا وبحريا وبريا عليها, مع سن جملة من التشريعات في تلك الدول تجرّم أي تعاطف شعبي مع قطر مع مطالبة رعاياها بمغادرة تلك الدول خلال اسبوعين.

وتختلف هذه الأزمة في شدتها عن سابقتها التي اندلعت في العام 2014 والتي اقتصرت على سحب الدول الثلاث لسفراءها من الدوحة ,إذ حُلّت بعد استجابة قطر لعدد من المطالب ومن بينها غلق فضائية الجزيرة مباشر من مصر, ومغادرة بعض قادة جماعة الأخوان المسلمين الدوحة متوجهين نحو تركيا. لكن علاقات تلك الدول مع قطر ظلت متوترة وبقيت الأزمة تتصاعد كالنار تحت الرماد حتى تفجرت في يوم الخامس من شهر يونيو الحالي, ولاتبدو في الأفق اليوم بوادر تشير الى حلّها في القريب العاجل بل يبدو أن الأزمة تتجه الى مزيد من التصعيد.

وقد ظهرت بوادر هذا التصعيد بعد كشف وكالة ”آسيوشيتدبرس“ لبنود قائمة مطالب الدول الثلاث المقدمة لقطر والتي تضمنت مطالب تعجيزية لايمكن لقطر الإستجابة لها الا عبر تنازلها عن سيادتها وتحولها الى محمية سعودية. فجميع المطالب الثلاثة عشر اذا استثنينا منها المطلب الثاني عشر والمتعلق بالمهلة المحددة للإستجابة لها, إما تمثل تدخلا في شؤون قطر الداخلية وتجاوزا على سيادتها أو انها إجراءات يجب على الدول التي تطالب بها ان تطبقها بشكل مماثل قبل مطالبة قطر بتنفيذها.

ولعل أهم مطلب على هذا الصعيد هو وقف الدعم القطري للجماعات الإرهابية, إذ ان الأولى بالسعودية أن تبادر الى تنفيذه قبل مطالبة قطر خاصة وأن دورها في نشوء الجماعات الإرهابية لم يعد خافيا على احد سواء عبر الترويج للتفكير المتطرف في مختلف أرجاء العالم من خلال المساجد والمدارس التي تمولها السعودية, او عبر دعمها للجماعات الإرهابية بدءا من حركة طالبان في أفغانستان التي لم تعترف بدولتها سوى ثلاث دول هي قطر والسعودية والإمارات, ومرورا بتنظيم القاعدة الذي ترعرع في ظل حكومة طالبان وانتهاءا بتنظيم داعش الإرهابي الذي يحمل ذات الفكر التكفيري .

وتبدو تلك المطالب وللوهلة الأولى قابلة للمساومة خاصة وأن سقف أي مطلب يبدأ عاليا لينتهي الى مستوى تتفق عليه الأطراف المتنازعة,وهو مايفسر تريّث قطر في الرد على تلك المطالب التي حملها امير الكويت الى الدوحه في خطوة يمكن تفسيرها على انها تترك الباب مفتوحا امام الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة. لكن التطورات التي حصلت في السعودية مؤخرا لا تبعث على التفاؤل في قرب حل الأزمة بل إن سحبا قاتمة بدأت تلقي بظلالها على هذه الأزمة المتجدّدة.

فقد شهدت السعودية انقلابا أبيضا اطاح بولي العهد السعودي محمد بن نايف ليحل محله محمد بن سلمان , نجل الملك السعودي, فهذه التطورات تعني أن القرار السعودي أصبح وبشكل مطلق بيد محمد بن سلمان نظرا لكبر سن والده ومايتداول من أخبار عن مرضه. وعند النظر الى سيرة محمد بن سلمان منذ صعود نجمه بعد إقصاء عمه مقرن بن عبدالعزيز من ولاية العهد قبل أكثر من عامين, فإن الأزمة القطرية دخلت في طريق مسدود ولن تحلّ في القريب العاجل الا عبر استجابة قطر لمعظم تلك المطالب التعجيزية.

فمحمد بن سلمان ينطلق في قيادة السعودية اليوم من نظرة راسخة لديه بان السعودية لم تلعب في عهد أسلافه دورا يتناسب مع حجم قدراتها ومواردها الإقتصادية الهائلة, وإن كان هناك من دور فكان يجري من وراء الكواليس وبشكل غير علني . فالسعودية لم تخض حربا خارجية ومنذ نشأة دولتها الحديثة, وحتى إعلان الحرب على اليمن في شهر مارس من العام 2015. وقد أعلنت الحرب بعد مرور ثلاثة شهور على تعيين محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ولازالت متواصلة الى اليوم.

الحرب على اليمن التي أعلنتها السعودية تشكل خروجا غير مألوف عن السياسة الخارجية السعودية, وحتى التدخل العسكري السعودي في البحرين عام 2011 لم يكن دخول حرب, بل للمشاركة في دعم نظام يواجه خطر السقوط بعد اندلاع ثورة 14 فبراير في البحرين عام 2011. لكن بن سلمان أعلن الحرب وكانت اهم أهدافها إخراج حركة انصار الله وحلفاؤها من العاصمة اليمنية صنعاء وعودة الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور الى منصبه.

لكن تلك الحرب التي شنتها السعودية بمشاركة عشرة دول فشلت في تحقيق ذلك الهدف بالرغم من الإختلال الكبير في موازين القوى العسكرية لصالح السعودية وحلفاؤها. كما وانه لم يدر بخلد احد ان الحرب ستستمر طوال هذه الفترة, إذ بدا ان السعودية ستحسم الحرب خلال بضعة أيام إن لم نقل اسابيع, لكن صمود اليمنيين أطاح بالآمال السعودية, بالرغم من تحقيقها لبعض الإنجازات مثل السيطرة على ميناء عدن, إلا انها رفضت وقف تلك الحرب عبر التفاوض والتوصل الى حل سياسي يرضي جميع الأطراف.

وجاء الإصرار السعودي على مواصلة الحرب بالرغم من تكاليف الحرب الباهضة التي قدرتها صحيفة ايكونوميست البريطانية في العام الماضي ب 725 مليار دولار أمريكي. هذه التكاليف الباهضة يضاف لها انخفاض أسعار النفط العالمية تسبب بعجز في الموازنة السعودية طوال السنتين الماضيتين واجبر الحكومة على فرض اجراءات تقشفية, فيما خسرت السعودية سمعتها الدولية بعد اتهامها بارتكاب جرائم حرب في اليمن.

إلا ان محمد بن سلمان وبالرغم من كل هذه النتائج الكارثية لايزال مصرّا على الإستمرار في هذه الحرب بالرغم من عشرات الآلاف من الضحايا فضلا عن أنها تركت 17 عربيا مسلما يمنيا يعانون من المجاعة بعد فرض حصار خانق على البلاد برا وبحرا وجوا. كما وكانت أبرز نتائج تلك الحرب هي انتقالها الى العمق السعودي وعند المناطق الحدودية مع اليمن , إضافة الى الصواريخ التي أصابت قواعد عسكرية قرب الرياض والطائف. فمحمد بن سلمان لايبدو مكترثا لهذه التداعيات الكارثية لتلك الحرب على بلاده وعلى اليمن بل وعلى دول المنطقة, إذ بدا أن كل مايهمه هو النصر عبر تحقيق اهدافه التي لم يحيد عنها قيد أنملة ومنذ إندلاع الحرب.

ولذا وبالنظر الى طبيعة بن سلمان وكيفية تعاطيه مع الأزمة اليمنية, فإن الأزمة مع قطر مرشّحة للتصاعد مع تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد, ومع الأخذ بنظر الإعتبار خسائر السعودية الضئيلة الناجمة عن هذه الأزمة مقارنة بخسائر السعودية المهولة نتيجة حربها على اليمن, فإن بن سلمان على أهبة الإستعداد لإبقاء هذه الأزمة مفتوحة لعدة سنوات مالم ترفع قطر راية الإستسلام لتحل معها راية السعودية التي يعتزم بن سلمان رفعها عالية في كافة مناطق شبه الجزيرة العربية بدءا من اليمن فيما لم لن تكون قطر آخر دولة يسعى بن سلمان لرفعها فيها!

ساهر عريبي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here