فرادة المخيلة الشعرية المدهشة عند صلاح فائق

فرادة المخيلة الشعرية المدهشة عند صلاح فائق

تعرفتُ على الشاعر العراقي صلاح فائق في بيروت ــ طبعا أسميا فقط ــ في بدايات الثمانينات من القرن الماضي  ، من خلال الصديق الشاعر اللبناني الراحل بسام حجّار ، و ذلك عندما ، سألني ذات يوم في  مقهى أكسبريس في بيروت ــ حيث كنا  نلتقي بين حين و آخر ـ عن  صلاح فائق  ، فقلت له مع الأسف لم أقرأ له شيئا  يُذكر ،  فقال لديه كراس يحتوي على بعض قصائده  ضمن منشورات أو كراريس ينشرها الشاعر عبد القادر الجنابي في باريس ، و أضاف أنه كتب نقدا عن قصائد صلاح فائق و غدا سيُنشر في الصفحة الثقافية لجريدة النهار البيروتية و أنه ــ أي نقده ــ يحتوي على مقاطع من قصائده بإمكاني قراءتها أن شئتُ . وبالفعل : عندما تصفحت جريدة  النهار في اليوم التالي وجدتُ الموضوع منشورا و كان رأيه بقصائد صلاح فائق جيدا ، أما أنا فقد شدتني  أجواء تللك المقاطع الشعرية ذات المناخات الشعرية  المثيرة  ، و حفرت في ذاكرتي منذ ذلك اليوم اسم صلاح فائق عميقا ، و عبثا طفقتُ بالبحث عن قصائده في مجلات و جرائد عراقية و عربية لأمد طويل فلم أعثر له على قصائد جديدة ، الأمر الذي أشعرني بالحرمان من شيء جميل و مغر جدا ، أتوق الحصول عليه ولكن عبثا .
إلا أنه و بفضل الفيس بوك بدأتُ في السنوات الأخيرة أقرأ قصائده وبشكل متوال و منتظم ، و بحرص مني للمتابعة لهذه القصائد و الاستغراق في قرائتها ، لما فيها من أجواء زاخرة وفنطازيات و مخيلة ثرية ومدهشة لحد الصدمة الذهنية ــ طبعا ــ بالمعنى الإيجابي للكلمة ..
فقصائده أشبه بشاشة كبيرة في متحف غرائبي لألعاب سحرية  ،  وكأنها مجّسات حساسة جدا و لاقطة ، كعين صقر أو نسر حادة بعيدة المدى : أي شاشة مترامية الأطرف و الأرجاء ، كأنما بحجم برية برمتها ، تلتقط كل واردة و شاردة من كائنات ومكوّنات ومخلوقات : من بشر و حيوانات و زواحف وطيور و أشياء ذات طابع خاص ، حتى منها أماكن و مناخات ذات أجواء تبدو أليفة جدا من شدة غرائبيتها ، وهي تعيد تشكيل هيئتها و صورها مجددا ، ولكن برؤية أسطورية وخرافية مثيرة للدهشة حقا ، ضمن معايشة يومية أقرب إلى واقع سحري إن جاز التعبير ، ضمن ” فنطازية ” صلاح فائق ” المذهلة / ولكن في الوقت نفسه عبر مسارات وسياقات تدخل ضمن تفاصيل حياتنا اليومية، تلك التي نشعر و كأننا نعايشها أو سنلتقي معها في أقرب منعطف أو ركن ، ستصادفنا بعد لحظات ، كأن نلتقي خلف باب بيتنا ــ مثلا ــ مع هارب من سجن أو لص خطير وهو يبتسم بلطف لنا وفي يده مسدس مصوبا نحونا بعزيمة بهدف سلبنا ما تبقى من  مدخرات  ذكرياتنا ، أو مخلوقات و كائنات خرافية و أسطورية أليفة ، ولكنها ليست غريبة عن حياتنا اليومية ، بل و خليط و عجيب من فئات اجتماعية شتى من لصوص و قتلة و عمال عاطلين وسكيرين و قراصنة منهكين و صيادين حيث جفت شواطئهم وأنهرهم و ثوريين خائبين وجيران كهول و منسيين في زاوية عزلتهم الاختيارية أو الإجبارية ، فضلا عن حيوانات أليفة وصديقة ووفية وحنونة ، غالبا ما تعوّض عن صحبة بشر ثقيلي الظل والحضور ، حيث أدراج الذاكرة الزاخرة بمكوناتها النابضة ضمن تكوينات وولادات جديدة ومثيرة ، تأتي ممتزجة على شكل حلم غامض أو مخيلة مكتنزة بسورياليتها المذهلة حينا آخر .
في أحيان أخرى يشعر القارئ لقصائد صلاح فائق و كأنه إزاء ساحر بارع بمخلوقاته وعوالمه الساحرة لحد الدهشة والانبهار، حتى إنه غير قابل لاستنساخ أو تقليد قطعا : فصوته الشعري فريد ذاته ونسيجه المتماسك والبهي وبلغة شعرية مثيرة حقا ، وهي قد تبدو ” بسيطة ” للوهلة ، ولكنها ذات طابع ” فائقي ” خاص به ، وبزخم شعري جميل مكثف و” برقي ” وامض انذهالا على طول الخط ، و أخَّاذ بحميمة مخلوقاته وكائنائته العجائبية و الخرافية الصادمة بجماليتها ، لا يجيد كتابتها غير صلاح فائق وحده ، لأنها من ابتكار أسلوبه ” التقني ” الشعري الخاص به فقط .
فعلينا أن نعتز بالشاعر كصلاح فائق لكونه شاعرا غير عادي بفرادة مخيلته الشعرية المدهشة والاستثنائية ، و لأنه ذلك الامتداد الشعري الزاخر و المتواصل الثري لجماعة كركوك الشعرية الإبداعية الرائعة سركون بولص و  مؤيد الراوي  وجان دمو و  أنورالغساني و فاضل العزاوي / تلك الكوكبة المضيئة أبدا في سماء الشعر العراقي المعاصر ، و لكن بإخلاص شعري و مبدئي ثابت و راسخ  ..
ملحوظة : بإمكان ــ لمن يشاء ــ الحصول على بعض قصائد صلاح فائق عبر غوغل .

مهدي قاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here