قومية الأديان

قومية الأديان
كانت الأديان في بداياتها و وقت ظهورها و انتشارها تدعي انها البوتقة التي امتزج فيها الجميع بدون فوارق طبقية و لا تمييز عنصري فكان السيد في قومه و كذلك العبد في نفس المرتية الأجتماعية ( ظاهريآ ) و كان ذو البشرة البيضاء مع ذو السحنة السوداء عليهم من الواجبات عينها و لهم من الحقوق ذاتها ( ظاهريآ ايضآ ) و هكذا تأمل الجميع ان تنتهي الفوارق بين البشر و تزول تدريجيآ بوجود هذه الأديان ( الخيرة ) الداعية الى مبادئ العدالة و المساواة التي يجب ان تسود و تطبع حياة الناس و تكون هي الفيصل الوحيد الذي يحتكم اليها الجميع الغني و الفقير الحاكم و المحكوم .
كان الأمر المريع و الخطير هو في تحول الأديان الى قوميات غير معلنة فأصبحت الأجناس البشرية التي تتحدث لغات متعددة و تعيش في اماكن ذات مناخات و تضاريس مختلفة و بالتالي ثقافات متنوعة لا يجمع بعضها سوى ( الدين ) فأذا كانت اللغة هي العامل الرئيسي و الرابط الأساسي بين النسيج القومي فأن الدين لم يكن كذلك اطلاقآ بل كان على الدوام هو المعتقد الفكري لمجموعة من الناس من قوميات عديدة و اعراق مختلفة و هو لا يشكل كثيرآ في التكوين الثقافي للشعوب ذات الصبغة الدينية المتشابهة .
كانت محاولات الأديان و القائمين عليها في الحفاظ على تلك المجموعات الدينية من التفكك و الأندثار ان جعلت منها كيانات عرقية و ليست فكرية كما ينبغي ان تكون فكان التركيز على خلق فكرة علاقة ( القربى و الأخاء ) التي يرتبط بها كل المنتمين الى الدين ذاته و الأيحاء في ان الرابطة الدينية هي اقوى الأواصر التي من الممكن ان يتحد تحت عنوانها العريض جمع غفير من الناس مختلفين في كل شيئ من اللون و الشكل و اللغة و العادات والتقاليد فقط هم متشابهون في العقيدة الدينية التي اراد رجالها ( رجال الدين ) ان تكون البديل الوهمي عن رابطة الدم القومية و ذلك بالترويج لفكرة القرابة الدينية ( انما المؤمنون أخوة ) .
كان اساس العلاقة بين مختلف الأديان هو العداء و الألغاء و من هنا بدأت العنصرية و التعالي على الآخرين فالأديان القديمة لا تعترف بتلك التي تلتها و تعد المؤمنين الجدد بها رهط من المغفلين او الجهلة الذين استهوتهم الأفكار الجديدة و رفضوا تلك التي ورثوها عن آبائهم اما الأديان الجديدة فهي بدورها تلغي تلك التي سبقتها من المعتقدات الدينية و عذرها في ذلك ان تلك كانت لأزمان بعينها و قد انتهت صلاحيتها و لم تعد قادرة على الأستجابة لمتطلبات الوقت الحالي ( وقت ظهور الدين الجديد ) و قد تكون محقة في هذا الأمر لكن المهم هنا هو مبدأ الألغاء و الأقصاء و احتكار الصواب من الأفكار و الذي تتشح به الأديان ( السماوية ) الثلاث .
عندما تحولت الأديان من عامل خير يعمل على جعل المبادئ السامية في مساواة البشر و لا يعير اهتمامآ الى الوانهم و اشكالهم و طبقاتهم الأجتماعية و كما جاءت به المقالات الدينية و التي تحض و تدعو الى حرية الأختيار في اعتناق الأفكار و المعتقدات ان انغلقت و انعزلت تلك الأديان في مجتمعات و احياء موصودة الأبواب ( غيتو ) لاترى الصالح من الناس الذين هم في الجنان السماوية الا اولئك الذين التزموا تعاليمها و ان كانوا من الأشرار المجرمين فأنهم غير مخلدين في الجحيم الألهي و لهم في الجنان نصيب اما المخالفين فهم بالضرورة سوف تكون نيران جهنم بأنتظارهم و هي مسكنهم و مستقرهم الأخير و ان كانوا من الأخيار المبدعين و المخترعين الذين لازالت الأنسانية تتذكر انجازاتهم البديعة في خدمتها و التقليل من آلامها .
لقد تمادى دهاقنة الأديان و الكهنة في الأنعزال و التقوقع بأن جعلوا العلوم كالطب و الفلسفة و الفلك و غيرها علومآ ذات صبغة دينية بحتة لابل وصل بهم الأمر ان صوروا البناء و الهندسة المعمارية و نسبوها الى الدين الذي هم به مؤمنون فصارت الأبنية و العمارات هي الأخرى ( متدينة ) و لكن الأمر الأكثر غرابة و استهجانآ هو في ظهور الدول الدينية و التي من الطبيعي ان لا تقبل بين مواطنيها من يعتنق دينآ آخر او معتقد مخالف و ان قبلت بهم و على مضض فأنها ترى فيهم المخطئون المنحرفون عن جادة الحق اليقين و هذا ما يعطي انطباعآ و احساسآ لأولئك المخالفين في انهم ليسوا مواطنين سواسية كالآخرين و هكذا استحوذ ( الدين ) على القومية و صارت له العصبية و العنصرية و النظرة الدونية الأستهزائية لباقي الأديان و المعتقدات و الأفكار في استحداث نموذج مسخ و مشوه و اكثر فاشية و عدوانية من الأحزاب القومية العنصرية .
حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here