كيفية توفير فرص العمل للعاطلين عن العمل في العراق بعد التحرير

محمد رضا عباس
سبق وان تطرقت عن موضوع البطالة في العراق وكيفية القضاء عليها في عدة مقالات نشرت على هذا الموقع سابقا. المقالات كانت تركز على قطاع البناء كأداة للقضاء على مشكلة البطالة في العراق. اعيد الكتابة عن هذا الموضوع مرة أخرى بعد ان نشر الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان احصائيات مهمة عن قطاع البناء في العراق. و بناء على الاحصائيات التي وفرها لنا السيد أنطوان عن هذا القطاع , فان العراق بحاجة الى 3.5 مليون وحدة سكنية , وان ما يتم بناءه سنويا بين 30,000 و 40,000 وحدة سكنية . و بناء على تقديرات السيد باسم فان العراق يحتاج الى 25 عاما لحل مشكلة السكن في حال وضع خطة استراتيجية لبناء 250 الف وحدة سكنية سنويا , و على فرض ان النمو السكاني في العراق هو 3%.
سؤال , كم هو عدد الايدي العاملة يحتاجها العراق لبناء 250,000 وحدة سكنية في العراق سنويا؟ لبناء وحدة سكنية واحدة , من البداية الى النهاية و يشمل من معاملات الترخيص والفرز الى نقطة الانتهاء من بناء الوحدة السكنية واعتبارها جاهزة للسكن , قد تحتاج الى ما يقارب 10,000 ساعة , وبتقسيم هذا الرقم على 8 ساعات , وهي الفترة الزمنية ليوم العمل في العراق , فان إتمام بناء وحدة سكنية من البداية الى النهاية هي 1250 يوما ,على فرض ان هناك عامل واحد لبناء هذه الوحدة السكنية , وهو من غير المعقول . ولكن لو قسمنا الرقم الأخير على عدد أيام السنة (365 يوما) , لوجدنا ان بناء الوحدة السكنية يحتاج 3.5 عاملا لإكمالها وجعلها جاهزة للسكن في السنة الواحدة. وبناء الى الرقم الذي قدمه لنا السيد أنطوان وهو حاجة العراق بناء 250,000 وحدة سكنية في السنة الواحدة , فان عدد الايدي المطلوبة لبناء هذا العدد من الوحدات السكنية هو 875,000 عامل سنويا.
ماذا يعني رقم 875,000 عاملا بنسبة للعراق ؟ يعني ان عدد الافراد الذي يحتاجها العراق مباشرة لبناء 250,000 وحدة سكنية والذي يشمل موظفي الطابو والفرز , موظفي امانة العاصمة الذين يمنحون إجازة البناء , مهندسو الخرائط , عمال البناء , عمال توصيل المياه , عمال المجاري, الصباغين , وعمال التأسيسات الكهربائية . ولكن , هذا الرقم هو ليس رقم نهائي لبناء 250,000 وحدة سكنية , وانما سيكون هناك عدد كبير اخر من العمال يشتركون ببناء هذا العدد من الوحدات السكنية , ولكن غير مباشر . أي هناك عدد اخر من العمال يعملون في أماكن بعيدة عن الوحدات السكنية , في المعامل والمصانع والذي يشمل عمال الطابوق , وعمال الجص, الاسمنت, الحصى , عمال صناعة الكاشي , النجارين , الحدادين , سواق شاحنات النقل ,عمال الغزل والنسيج , وتجار مواد البناء مثل تجار الاصباغ , تجار الستائر, تجار المواد الكهربائية , تجار تأسيسات المياه , وتجار الأجهزة الكهربائية . بكلام اخر , العراق سيحتاج الى 200,000 فرد إضافي لإكمال وتجهيز 250,000 وحدة سكنية .
التأثيرات الاقتصادية لبناء 250,000 وحدة سكنية لا ينتهي الى هنا , بل يتبعها تأثيرات إيجابية أخرى على الاقتصاد الوطني وهي إضافة بنى تحتية أخرى مثل الطرق العامة , الأسواق , مراكز الشرطة والامن , دوائر كهرباء وماء, المستشفيات والمستوصفات , معاهد علمية ومدارس للبنات والبنين. وهكذا فان بناء 250,000 سيخلق فرص عمل لا يقل عن مليون ونصف المليون وفرصة لكافة الاختصاصات من عمال الى مهندسين الى حملة الشهادات الابتدائية , المتوسطة و الإعدادية , وخريجي الجامعات , وحتى الذين لم يسعفهم الحظ للتعلم .
دخول 1.5 مليون عامل جديد الى سوق العمل سيؤدي الى ارتفاع دخل العائلة , فبدلا من وجود فرد او فردين من أعضاء العائلة الواحدة بدون عمل , بعد التوسع في سوق العمل , يصبح هناك دخل إضافي للعائلة , وبارتفاع دخل العائلة , يزداد طلب العوائل على المواد الزراعية والصناعية والخدمات . العاملين من الشباب و الشابات سيكون لديهم امكانية الصرف لشراء ملابس إضافية , اثاث جديدة , أجهزة كهربائية جديدة , التردد على المطاعم , التردد على الأماكن الترفيهية مثل دور السينما والمتاحف و المسارح و حفلات الموسيقى , التردد على مراكز الرعاية الصحية , والسفر الى الداخل او خارج العراق لغرض السياحة .
ولكن , الفائدة العظيمة من وضع استراتيجية للقضاء على ازمة السكن في العراق هو القضاء على الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تصاحب زيادة عدد العاطلين عن العمل . توفر فرص العمل يقضي او يقلل من جرائم السرقة والاعتداءات على الاخرين , تقلل من حالات الكأبة بين الشباب من جراء قضاء وقت طويل بدون عمل , يقضي على تمرد الشباب على عوائلهم وعلى القانون , يقلل من انحراف الشباب الى استخدام المشروبات الكحولية و تناول المخدرات , تقليل نسبة العزوبة بين الشباب والشابات , والاهم من ذلك كله , فان توفير فرص العمل للشباب تعزز الثقة بأنفسهم وتبني مواطن صالح , على اكثر الاحتمالات, بعيدا عن التشنجات والعصبية و عن خرق القوانين.
ان تبني استراتيجية القضاء على ازمة السكن في العراق سوف تقضي على البطالة فيه للسنوات الخمسة والعشرين القادمة , على فرض بناء 250,000 وحدة سكنية في السنة الواحدة , ولكن احتساب نسبة النمو السكني في العراق 3% ( علية جدا بالنسبة للمعدل العالمي) , سوف يمدد الفترة الزمنية الى الخمسين سنة القادمة , وهي بشرى خير للعراق والعراقيين, وذلك بسبب توفر مواد البناء بداخل العراق , وبذلك استطيع القوال ان 80% من مصاريف بناء الوحدات السكنية ستبقى في العراق لا خارجه كمصاريف على استيرادات مواد البناء , كما هو الحال في اغلب دول الخليج. على سبيل المثال , ان الامارات العربية تستورد حتى التراب من ايران من اجل تأسيس الحدائق العامة والخاصة.
بقى ان أقول , وهي من خلال تجربتي التي قضيتها في العراق مؤخرا, ان العامل العراقي يحتاج الى تدريب لمواكبة تطورات البناء , حيث ان الموصفات الصحيحة للبناء غير موجودة على الرغم من متانة وجودة مواد البناء. ثانيا، يحتاج العامل العراقي التعود على ضبط مواعيده مع أصحاب البناء , فكثيرا منهم ينقطع عن العمل باعتذارات مختلفة , منها تافهة جدا. وأخيرا، أتمنى على الدولة وعلى القائمين والمهتمين على التربية والتعليم حث الشباب والشابات الى الانخراط الى المعاهد التقنية مثل الكهرباء، الصرف الصحي، الماء الصالح للشرب، تصليح الأدوات الكهربائية , الكمبيوتر, والخدمات الصحية. في هذه المرحلة التي يمر بها العراق. العراق لا يحتاج كثيرا من حملة شهادات الدكتوراه والماجستير بقدر ما يحتاج الى وظائف خدمية , وهذه حقيقة تعرفها جميع الدول المتقدمة في العالم , ناهيك عن دول العالم الثالث , حيث ان العراق بضمنها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here