الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف نتائجه.. الحلقة الأولى

الحلقة الأولى
زهير عبد الرزاق

فِي عام 1957 أندمج تنظيم المنصورية للضباط الاحرار الذي كان مسؤوله الزعيم الركن عبد الكريم قاسم آمر (ل مش 19) الذي يتخذ من معسكر المنصورية مقراً له حيث كان التنظيم يتألف من بعض ضباط الوحدات المنتشرة في محافظة ديالى مع تنظيم اللجنة العليا للضباط الاحرار في بغداد حيث أصبح الزعيم عبد الكريم قاسم مسؤولأ عن ذلك التنظيم بحكم قدم رتبته. شهد شهر تموز عام 1958 حدثاً كان من الاسباب الرئيسة في تغيير نظام الحكم بالعراق. صدر أمر من المقر العام في وزارة الدفاع بتنقل (ل مش 20) الذي كان بـإمرة الزعيم الركن أحمد حقي محمد علي وموقعه معسكر جلولاء ليلة 13/14 تموز الى المملكة الاردنية لتبديل ل مع 6 (رتل هادي) الذي كان بـإمرة الزعيم الركن هادي علي رضا حيث مضى على وجوده هناك أكثر من خمسة أشهر وقد أرسل هذا اللواء بعد قيام الاتحاد العربي الهاشمي بين المملكتين العراقية والاردنية بداية عام 1958. صممت الخطة العسكرية لتنفيذ حركة 14 تموز والتي أعدها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم بأن يتولى (ل مش 20) تنفيذ مفرداتها بالسيطرة على العاصمة بغداد ويكون واجب (ل مش 19) احتياطاً لدعم الحركة وحسب تطورات الموقف. كلف العقيد الركن عبد السلام محمد عارف آمر (ف 3 ل مش 20) بترتيب مغادرة آمر (ل مش 20) لمقره والتوجه الى قضاء الفلوجة حيث ينتظر وصول اللواء للمدينة ثم الانطلاق الى الرطبة فالاردن عند ذلك يستلم ع.ر. عبد السلام عارف قيادة اللواء باعتباره أقدم ضابط وبالوقت نفسه يتم اعتقال العقيد الركن ياسين محمد رؤوف آمر (ف2 ل مش 20) في حالة عدم قبوله المشاركة بتنفيذ العملية وهذا ما حصل فعلاً. وزع ع.ر عبد السلام عارف وحدات (ل مش 20) على أهدافها وفق الخطة المرسومة في منطقة (خان بني سعد). قبل بزوغ فجر يوم الاثنين 14 تموز 1958 دخل عبد السلام العاصمة بغداد (حيث كان البغداديون يغطون بنوم عميق على سطوح منازلهم في ذلك اليوم التموزي القائظ) محققاً نجاحاً سريعا في تنفيذ خطة الحركة ولم يلق مقاومة تذكر وقام بـإذاعة البيان رقم (1) الذي أعلن فيه نهاية النظام الملكي وإعلان الجمهورية العراقية وما هي الا ساعات حتى تفاعلت جماهير الشعب وأعلنت التفافها حول تلك الحركة والتي جعلت من ذلك الانقلاب العسكري (تخطيطاً وتنفيذاً) ثورة شعبية عارمة امتدت من شمال العراق الى جنوبه. لقد كان من مقررات اللجنة العليا للضباط الاحرار تشكيل مجلس لقيادة الثورة في حالة نجاح اي حركة تغيير لضمان القيادة الجماعية في السلطة ولكن بدلا من ذلك انفرد قائدا حركة 14 تموز بتوزيع المناصب المهمة والحساسة بينهما فأصبح الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع وشغل ع.ر عبد السلام عارف مناصب نائب رئيس للوزراء ونائب القائد العام ووزيراً للداخلية. اي بعبارة واضحة وصريحة تقاسما الغنيمة مناصفة وبذلك فقد تم تهميش دور اللجنة العليا للضباط الاحرار وضربت مقرراتها عرض الجدار. بعد مرور شهر واحد على قيام ثورة 14 تموز وبالتحديد اواسط شهر آب 1958 بدأت المهاترات والمشاجرات بين قائدي الثورة وتطورت تلك الاختلافات. بحيث أمسى كل منهما يخشى الاخر وجرى سباق بين الاثنين على من يبقى ومن يذهب. عبد السلام باعتباره نائب القائد العام كان يزور المعسكرات ويهيئ بعض قطعات الجيش وخاصة (ل مش 20) للقيام بعمل ما لإنهاء سيطرة عبد الكريم وبطبيعة الحال لم يكن عبد السلام يفكر بقتل عبد الكريم بل إجباره على التنحي او اعتقاله وتسفيره خارج العراق. عبد السلام فكر فعلاً ان يقوم بمحاولة انقلابية يوم 14 ايلول 1958 ولكن عبد الكريم لم يكن غافلا عن نشاطه ونواياه فسبقه بخطوة وأعفاه من منصب نائب القائد العام يوم الخميس 11 ايلول وبهذا العزل منعه من الاتصال بضباط (ل مش 20) او بأية وحدة عسكرية أخرى ثم أكمل هذه العملية يوم 30 ايلول بـإعفائه من منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وهكذا انتهى عبد السلام واصبح عبد الكريم غير مقيد يعمل منفرداً بكل حرية. ما ذكرته آنفا خلاصة ما قاله ع.ر متقاعد صبحي عبد الحميد (أحد الضباط الاحرار والذي شغل منصبي وزارة الخارجية والداخلية طيلة الاعوام 64, 65 و1966) في مقابلة صحفية نشرتها جريدة المشرق الغراء بعددها 884 في 3 شباط 2007. ومن المفيد هنا ان نورد ما ذكره ن.ض مخابر (فاضل حميد جاسم) مشغل الجهاز اللاسلكي لأمر (ف3 ل مش 20) خلال تنفيذ حركة 14 تموز في كتاب (الاغتيال بالدبابة) لمؤلفه الكاتب العراقي شامل عبد القادر الصادر عام 2011 حيث قال: (انه بعد إعفاء عبد السلام من منصب نائب القائد العام جاء بسيارته العسكرية من بيته الذي خصص لسكن عائلته في منطقة قصر الملح بأطراف ناحية أبي غريب الى معسكر (ل مش 20) فسأل اين ضباط اللواء؟ فأجبته انهم نزلوا الى بيوتهم بعد نهاية دوام يوم الخميس) فبادر عبد السلام بعض اصبع يده بقوة وقال بصوت يملأه الاسى والندم: (للأسف هيج وقت ينزلون جان هسه فلشت الدفاع على راسه). لقد قضي الامر وهيهات ان تعود عقارب الساعة الى الوراء. بعد اعفاء عبد السلام من كافة مناصبه يوم 30 ايلول جرى تنسيبه بداية شهر (ت/1–1958) الى وزارة الخارجية وعين سفيراً للعراق في مدينة بون (عاصمة المانيا الغربية حينها). اعتكف عبد السلام في بيته ورفض تنفيذ الامر وامتنع عن السفر خارج العراق بحجج غير مقنعه. بين الزعيم المتقاعد فؤاد عارف في مذكراته التي صدرت عام 1994 انه عين بمنصب متصرف/ محافظ كربلاء بعد ثورة 14 تموز وقد اتصل به الزعيم عبد الكريم قاسم وطلب منه اصطحاب العقيد طاهر يحيى معه (مدير الشرطة العام حينها) والذهاب الى بيت عبد السلام (اذ تربطهما علاقة صداقة متينة مع عبد السلام) لاقناعه بضرورة السفر خارج العراق ويضيف فؤاد انه فعلا لبى رغبة عبد الكريم بالذهاب الى مسكن عبد السلام الواقع على اطراف ناحية ابي غريب صباح يوم (10ت/1) وما أن استقبلهما عبد السلام قال بانفعال شديد: (أنا الذي فجرت الثورة وقضيت على الاستعمار في العراق ثم يأتي صديق شنشل هو الذي يصدر أمرا بتعييني سفيرا في بون).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here