مسحت فردة حذائها بقصيدة : قصة قصيرة :

مسحت فردة حذائها بقصيدة : قصة قصيرة :

ثمة فتاة كانت تجلس في مكتبة عامة وهي تتصفح إحدى المجلات القديمة فقرأت مقطعا من قصيدة لشاعر جاء فيها :
أنا زئبق متموج في سراب مرآتي
أتوهج كشعلة أبدية على حافة الكون ..
لا يراني أحد …………………
بالرغم من نورانياتي المشرقة تسطع كنجمة صباح ،
لكنني أرى الجميع
على هيئات زحمة متدافعة في كتلة غامضة و ظلال هائجة .
أنا … أنا الذي ……………………………..
و الخ …….. و الخ …….. )
فعندما قرأت الفتاة تاريخ القصيدة تذكرت بأنها في هذا الوقت كانت محاصرة و أسيرة في مدينتها من قبل عناصر مغول العصر الهمج والقساة … كانت لا زالت طفلة صغيرة … جائعة وظامئة في قبو مظلم وبلا نوافذ … مرعوبة وهلعة من صفير قذائف تمرق من فوق رأسها لحظة بعد أخرى متفجرة و منتشرة بشظاياها الكثيرة والمخترقة حتى للحديد …حيث ظلال الموت مخيمة عليها و على أفراد أهلها و جيرانها كسيف بتار و مهتز بضراوة جبارة …و مع استغراقها في تلك الذكريات المريرة و القاسية والأليمة … خاصة عندما تذكرت محاولة هروبها مع الباقيين ، أصابتها رصاصة في رجلها اليمنى و اسقطتها أرضا حتى أغمي عليها… مع تدفق دموعها ساخنة و مدرارا …لمحت مقدمة حذائها مغبرة ومتربة … ففجأة ـــ ودون إرادة منها ـــ مزقت الصفحة و مسحت بها حذائها ومن ثم رمت الصفحة المقطعة في مكب نفايات .
وهي تمتم مع نفسها :
ــ أذهب مع أناك … و من فوق برجك العاجي إلى أقرب جحيم !..

مهدي قاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here