بغداد الآن .. أجمل من لندن وباريس ..!

 
فراس الغضبان الحمداني
 
ابتلينا منذ سقوط النظام عام 2003 وحتى اليوم بخطاب جديد يمارسه الكل .. العالم والجاهل المسؤول والمخذول الغني والفقير ، فالكل يتحدثون وعبر هذا الكم الهائل من الفضائيات والإذاعات والصحف ومواقع الانترنت عن الخطط الإستراتيجية والحكومة الالكترونية والتجربة الديمقراطية والصحافة التعددية ولكن كل ذلك وكما يقول المثل ( بالمشمش )  .
 
لقد اصبحت بغداد وبعصا سحرية إلى واحة مثل دبي ومونت كارلو ولندن وباريس ينطلق فيها قطار المترو على مدى 24 ساعة وتتزاحم أسراب البلابل والعصافير على حدائق العاصمة الغناء الممتدة من حي التنك إلى مدينة الصدر إلى إطراف أم المعالف ، وتبتلع المعامل الالكترونية ملايين الأطنان من مخلفات الحيوانات في الحبيبية والعبيدي وحي طارق فتحولها إلى منتوجات تصدر ليس للهند وباكستان فقط وإنما إلى اليابان وإمارة طيطان وجميعها من الصناعات التكنولوجية الحديثة .
 
وقد تمكنا من خلال تطبيق الخطط الإستراتيجية من تحطيم الحدود الجغرافية وجعل الكلاب السلوكية تسرح وتمرح ليس في مدينة الصدر والحبيبية وحي الكمالية وإنما في الجادرية والمنصور واليرموك وزيونة والكرادة والسعدون وأصبحت ونتيجة التغيير الديمقراطي وزوال النظام الدكتاتوري إن تدخلفي فنادق الدرجة الاولى وتتسلق سلالمها وتدخل في أورقتها بعد إن حرمت أيام النظام السابق ، وكذلك فقد دخلت هذه الكلاب إلى المنطقة الخضراء لتتعرف على الكلاب الأمريكية والنوم معها وممارسة الحب سوية تحت ظلال أشجارها والتنقل بين حدائقها ، لقد تكاثرت هذه الكلاب بشكل كبير مسجلة رقما قياسيا بإعدادها في ظل العصر العيساوي والعبعوبي ومحطمة سقف الاعتداءات على البشر حتى دخل العراقيين موسوعة غينس في عدد المصابين بداء الكلب وداء المسعورين من الفاسدين والمفسدين .
 
وفي الخطط الإستراتيجية اصبحت المجاري الأفلاطونية إن تبتلع بحيرات المياه الآسنة التي تغطي سطح بغداد وأزقتها ، وقد صممت هذه المجاري وفق تصاميم مجاري أمريكا وألمانيا وفرنسا التي رأينا شبيهتها في مسلسل ( فنسنت ) الذي عرضه تلفزيون بغداد سابقا ، ولا بأس إن تكون مأوى للفقراء والمشردين الذين لا يملكون سكننا ينامون فيه ، ومن المنجزات الأخرى شبكات المياه الصافية للشرب التي تعوضنا عن المياه المعدنية المعبأة بالأوزون وتمتاز برائحتها الهادئة وطعمها المثير ولونها الأخضر العجاجي .
 
وصار البغداديون اليوم يجلسون شامخين إمام بيوتهم في الغدير والبلديات وبغداد الجديدة والصدر يستنشقون بهدوء الهواء المشبع بروث الجاموس المنطلق من مملكة الفضيلية لإنتاج أنواع القيمر في التاريخ ، ومع هذه العطور الحيوانية لشم نسيم هواء المجاري برائحته الخرافية ، والحق يقال إن الخطة استطاعت إن تستكمل المشهد الجمالي بنشر النفايات على أوسع نطاق وبعلو جميل وشاهق ارتفع كجبال الهملايا حيث أرادوا بذلك على البغداديين إن لا يشدوا الرحيل إلى كردستان فالجبال هنا في بغداد مشابهة ولكن من ( الزبل ) الكثيف المعطر بخليط من الجيف العفنة ، إما الشوارع فلا نعرف لها حدودا أو أرصفة لان سياسة ( النبش) ) مستمرة تنشيطا للعقود المليارية.
 
والآن كارثة الكهرباء والتي تلعب معنا لعبة القط والفار ( توم وجيري ) ، ففي الشتاء يقولون ابشروا أيها العراقيون إن الصيف القادم سيكون باردا لان التيار الكهربائي سيكون مستمرا بدون انقطاعات لأننا أنجزنا وأصلحنا الكثير من مواقع إنتاج الطاقة وعندما يأتي الصيف يقولون ابشروا في الشتاء القادم ستتمتعون بالتدفئة والماء الساخن وان الكيزرات ستعمل ليلا ونهارا ، وفي حقيقة الأمر لم نرى الكهرباء الوطنية التي لم تعد وطنية وحالنا يقول مثل أغنية فيروز ( حبيتك بالصيف حبيتك بالشتا .. نطرتك بالصيف نطرتك بالشتا ) .
 
والحقيقة الكارثية ليس في انقطاع الكهرباء بل لحجم الأموال التي دفعت وصرفت ورصدت لهذا القطاع ، حيث كانوا في عام 2003 يتحدثون عن5 مليارات $ وخمس سنوات لإصلاح الكهرباء ، ولكن اليوم وبعد 14 سنة يتحدثون عن 30 مليار $ وأكثر ويطالبون بخمس سنوات إضافية ومليارات خرافية .
 
في الوقت الذي نرى إن الأردن تبرم عقود بأربعة مليارات لتوليد الطاقة الكهربائية تزيد على حاجة العراق وبربع المبلغ الذي ضيعناه ، وكذلك أبرمت دولة الإمارات العربية أربع مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية تزيد على حاجة العراق لمرتين أو ثلاثة ولا ندري أين تذهب المليارات فهل هناك ( طنطل ) في خزينة الكهرباء أو ( سعلوة ) تخترق هذه الوزارة دون علم الوزير .
 
أيها الإخوة والأخوات كم هي حاجتنا الفعلية إلى الكهرباء بل إن السؤال الذي يحمل أكثر أهمية هو متى نغلق هذا الملف الذي استنزف أموالنا ووقتنا وراحتنا وتصبح لدينا طاقة كهربائية مثل باقي البشر ونخلص من سموم مئات الآلاف من المولدات الصغيرة والكبيرة وما تهدره من وقود وما تسببه من تلوث للبيئة وضجيج ينزعج منه حتى الموتى ، فهل تستطيعون إن تقنعونا بان أمريكا التي احتلت العالم عاجزة إن تعيد الكهرباء والمجاري إلى العراق .
 
وأخيرا ياسادة هذا الزمان الجميل نقول لكم خذوا تنظيراتكم الخيالية و خططكم الإستراتيجية وأعطونا جزا بسيطا من حقوقنا من ماء نظيف وشارع نحيف ومجاري خفيفة وبيئة شبه لطيفة وكهرباء منتظمة تهدئ من روع الإنسان وتخفف عليه وطأة الصراعات السياسية ونتائجها من المتغيرات والمفخخات الإرهابية .
 
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here