هؤلاء في حياتي (١)

هؤلاء في حياتي (١)
عبد الأمير السبيتي.. شقيق القائد الكبير

سليم الحسني

في متوسطة الكاظمية، كان المشرف على المكتبة مدرس التربية الدينية للصف الثالث المتوسط من عام (١٩٧١) الأستاذ عبد الأمير السبيتي، جاد وقور يفرض هيمنته بصوته العميق، بحيث تصمت المجموعة المشاغبة في آخر الصف عن التعليقات التي لا ينجو منها مدرس.

وكنت أواظب على استعارة الكتب، مفضلاً الروايات ودواوين الشعر، ويبدو أنه رصد ترددي المنتظم على المكتبة، فذات مرة طلبت منه استعارة كتاب (ابن زيدون) فسجل اسمي في دفتر الاستعارة، ثم قال لي:

ـ عندي كتاب شخصي يمكنك أن تقرأه، وسحب الدرج وسلمني كتاب (حجر بن عدي الكندي) لمؤلفه المرحوم محمد جواد فضل الله، (شقيق المرجع الراحل محمد حسين فضل الله).

قرأت الكتاب فأخذني أسلوبه الجميل الحديث، وأبهرتني شخصية حجر بن عدي بمواقفها الرسالية المبدئية، وبصبره وصموده وعظمته وقوته في مواجهة الظالمين.

وحين أعدته له، سألني:

ـ هل استفدت من الكتاب؟

ـ نعم أستاذ، وهل في المكتبة كتب أخرى لنفس المؤلف؟

أجابني بأن للمؤلف عدة كتب، ولكنها ليست في مكتبة المدرسة، فكتب المدرسة تخضع لرقابة وزارة التربية. ثم نصحني أن أهتم بدروسي أولاً وأن أستثمر أوقات الفراغ في القراءة، وأن لا أترك كتب الأدب، وقال في نهاية نصائحه التي سردها بشكل سريع موجز:

ـ حاول أن تقرأ لعدة مؤلفين مشابهين لمنهج محمد جواد فضل الله.

وذكر مجموعة أسماء أتذكر منهم، عبد الهادي الفضلي، محمد مهدي الآصفي، محمد حسين فضل الله، محمد مهدي شمس الدين.

كانت الإشارة كافية لتوجيهي، وقد فهمت من الطريقة التي تكلم بها، أنه يحذر التصريح والتفصيل في أجواء حكم البعث المرعبة، ونشاط الاتحاد الوطني لطلبة العراق في كل مدرسة.

كان معنا في الصف عضو في الاتحاد الوطني اسمه (عبد الحسين محمد علي) وقد كان يسعى لفرض سطوته من خلال التلويح ببعثيته، وبلغ به التمادي انه كان يشاكس بعض المدرسين، فيخرج من الدرس بحجة أن لديه نشاطاً حزبياً، وقد حاول أن يستفز الأستاذ عبد الأمير السبيتي في درس التربية الدينية، فيأتي متأخراً ويقول له بصوت المتحدي:

ـ كان عندي اجتماع في الاتحاد الوطني.

وذات مرة جاء في نهاية الدرس، وكرر مقولته المعتادة، فقال له الأستاذ السبيتي:

ـ ابني، لا اعترض على حضورك وغيابك، ولكني أريد مصلحتك، لقد كان رئيس الاتحاد (نوري) من الأذكياء والمتفوقين، لكنه بسبب انشغاله بالاتحاد، تراجع مستواه، وضاعت منه سنة دراسية لم ينجح بها.

ثم مضى بهدوئه ووقاره يشرح الدرس.

تركت كلمته المقتضبة، أثرها في النفوس، فقد كان (عبد الحسين) يملأ الصف ضجيجاً بشعارات البعث، ويطلب الانتماء الى الاتحاد الوطني، لكن بعد نصيحة السبيتي، تغير الحال، فما أن يبدأ بإلقاء شعاراته، حتى يواجهه الطلاب بقولهم:

ـ هل تريد أن تضيع علينا سنة؟

مرت سنوات طويلة، وهاجرت الى إيران. وذات يوم من صيف عام ١٩٨٦ كنت في منزل القيادي السيد حسن شبر، نعمل على تدوين تاريخ حزب الدعوة، وجاء الكلام عن القائد الكبير الشهيد محمد هادي السبيتي، فسألته هل هناك علاقة عائلية بينه وبين المدرس عبد الأمير السبيتي، فكان الجواب: إنه شقيقه.

لإستلام مقالاتي على قناة تليغرام اضغط على الرابط التالي:

https://telegram.me/saleemalhasani

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here