الثقافة الجنسية واثرها في السعادة الزوجية !

عمد العالم النفسي الشهير فرويد الى تركيز النظر على الجنس كأساس لتفسير السلوك الانساني. ونحن هنا سوف نحاول القاء الضوء على الصلة الوثيقة بين التوافق الجنسي وبين الحالة النفسية لكل من الزوجين. ومن الواجب اولا ان نفهم الجنس بالمعنى العام لهذا اللفظ وهو نفس المعنى الذي استخدمه فرويد بأزائه. فهو الطاقة الشهوية التي تعم الجسم كله، اعني السطح الخارجي، ثم ياخذ التركيز مجراه في مناطق معينة من الجسم.

ان الطاقة الشهوية تبدأ منذ الميلاد بصورة لا شعورية اولا ثم يبدأ الطفل يحسها.
وفي سن المراهقة، ويستحيل جانب من تلك الطاقة العامة الى طاقة شهوية تناسلية. ذلك ان هذه الاعضاء تبدأ في النضج وتصبح مستعدة للنهوض بوظيفتها مستهدفة الانجاب.
ومن جانب اخر فان الجنس يبدأ خلوا من التلبس بالقيم والتقاليد والعادات الاجتماعية.
ثم ما يلبث ان يصطبغ بالصبغة الاجتماعية الخاصة بالمجتمع الذي ينشأ فيه المرء.
وكما يقول فرويد فان الطفل الذكر يعشق امه، بينما تعشق البنت اباها. فالأولى تدعى عقدة اوديب والثانية عقدة الكترا. ولكن ما تفتأ التربية تكبت هذه الميول الشاذة، حتى تتضائل وتزول نهائيا عندما يكبر الطفل.

والواقع انه في هذا العصر حيث يؤخذ بمبدأ الاختلاط بين الجنسين في الحياة العامة وحيث سقط الحجاب الذي يفصل بين الجنسين، فقد صار للقبول في اعين الجنس الاخر اهمية في نجاح المرء في الحياة العملية. ونحن نقصد هنا بالقبول ان يكون افراد الجنس الاخر راغبين في اقامة علاقات زوجية. فثمة ضرورة اقناع الطرف الاخر قبل الخطوبة وفي اثنائها بانه الشخصية الكفيلة بتوفير اسباب السعادة للاسرة طول العمر. وبعد اتمام الزواج تكون ثمة ناحية نفسية تتطلب العمل على تاكيد العلاقة بينهما وتجديد علاقة الحب بحيث لا يذبل بعد مضي فترة تقصر او تطول على الزواج ناهيك عن النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية.

والحب يتجدد كلما احس طرف ان الطرف الاخر يؤثره على نفسه ويفضله على رغباته الشخصية. وان ثمة تنازلات وتضحيات يقدمها في سبيله وانه يتذكره في حضوره وفي غيابه وانه لا ينسى المناسبات الخاصة بهما كعيد الميلاد وعيد الزواج. وانه مكلف برعاية الذرية التي اتت منه. ذلك ان حب الاطفال دليل على حب الطرف الاخر الذي شارك في الانجاب . بيد ان من الضروري الحفاظ على عدم توجيه دفة الحب الى الاطفال واهمال الاصيل الذي شارك في الانجاب. ولا شك ان مشاركة الطرفين في رتق الفتق في العلاقة بينهما كلما هبت عاصفة الخلاف انما تدعم الحب وتحييه وتجدده

هنا اعرض اهم الجوانب التي تساعد المرء على ان يستشعر الثقة في نفسه عاطفيا، كالمظهر الخارجي من حيث القامة وتناسق الاعضاء وملامح الوجه والقدرة على التعبير وطريقة المشي والوقوف والجلوس وجمال الطلعة في قده الممشوق في تجانس وانسجام. ثم الاتزان العقلي وعدم الانداع في المواقف الصعبة، ولا ينفجر بالضحك، انما يكتفي بالابتسامة. عليه ان يرتبط بالاتزان الوجداني، فلا يندفع في الغرام الاجوف وفي نفس الوقت يتذرع بالبرود الجنسي او الوقوف موقفا منفرّا وصادا قبال شريكة حياته، ذلك ان القدرة على الممارسة العاطفية بين الزوجين بغية الوصول الى قمة الانتشاء شرط اساسي وجوهري في السعادة الزوجية. ولا شك ان هذه السعادة تعتمد على مراعاة ما جُبل عليه الطرف الاخر. ولا نغالي اذا قلنا ان قسطا كبيرا من السعادة الزوجية يرتد الى نجاحهم في علاقتهم العاطفية بعضهم مع بعض.
ينحصر حق الزوج على الزوجة في نقطتين اساسيتين: حق المسكنة وحق الاستمتاع. وكلا الحالتين يخضعان لضوابط سلوكية معينة.فالاستمتاع يجب ان لا يكون محصورا بالارادة الذكورية فقط، فالتعارف الجنسي ليس خاصية مقتصرة على طرف واحد بل انها تشمل الطرفين وعلى الزوج ان يراعي هذا الحق المشترك بمزيد من العناية والاحترام والاّ فانه يظلم المرأة. ونظرا لاهمية حق الاستمتاع اقول:

ظني ان العراقي عموما لم يتعود ان يغازل زوجته، حتى ان الاغلب يقضي عمره في الحياة الزوجية ولم يعرف معنى الحب. انا لا اقول: عليه ان يكرر على مسمعها انه يحبها ! وانما عليه ان يجعلها تشعر انه يحبها. فالزوجة لا يهمها كثيرا نوع اثاث البيت بقدر ما يهمها ويسعدها عندما يمتدح الزوج ذوقها مثل قوله: يعجبني ثوبك!
او ما احلى ذوقك ! ألخ وانها قد لا تهتم كثيرا لو اخبرها زوجها بان الفلاح يعتني باوراد الحديقة، ولكنها تنغمر سعادة لو ابدى لها الزوج اعجابه في اهتمامها بالحديقة.

ولو كنت مع زوجتك تتناول طعام العشاء في احد مطاعم بغداد الراقية وابديت اعجابك بالطهي، فانها سوف تؤيد ذوقك مجاملة، لكنك لو اسمعتها وانت على مائدة العشاء في البيت بان طعامها لذيذ حقا ! ملكتها – كذلك قد لا يطيب لها كثيرا ان قلت لها: ما افخم المظهر الخارجي لدارنا ؟ لكن مشاعر الحب والوداد تهتز في اعماقها لو ابديت اهتمامك بمظهرها الخارجي من رونق الهندام وجمال الشعر وحسن اختيار المكياج او اهديت لها في عيد ميلادها، باقة ورد او شيشة عطر او قطعة سوار من ذهب، هذه بعضا من الجوانب النفسية التي ينبغي علينا نحن الازواج مراعاتها.
اما النقطة الجوهرية في العلاقة الحميمة بين الزوجين، تدور حول المضاجعة. فعملية الانجاب علاقة بيولوجية محضة، تفرضها حتمية استمرار بقاء الجنس البشري، ينظر اليها بقدسية، وهي بنفس الوقت عملية مادية بكل تفاصيلها وحيثياتها، فاذا ما تمت وفق ضوابط اخلاقية اتخذت طابعا روحيا. حيث انها تبدأ بالمداعبة عبر الكلمات الودودة الرهيفة بغية اثارة الجو العاطفي، فالاسلوب المهذب يبلورها ويسمو بها. صحيح انها شهوة عارمة، لكنها تطفح بشذى نذرات رقيقة، تشعل نار الشوق حتى تنطفئ في النهاية في غدير الحب. اما اذا حاول احد الطرفين الاستحواذ على الاخر بالقوة العضلية، آنذاك انعدم فيها منطق المشاركة وانكشف زيف المشاعر وانطفأت فيها شمعة الاخلاق.

* مقتبس من كتاب، التفاؤل والتشاؤم، يوسف ميخائيل اسعد، مع اضافة لكاتب السطور.
بقلم د. رضا العطار

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here