إِلْى [أَنْفُسِنا]… مَعَ آلتَّحِيَّةِ!

نــــــــــــــزار حيدر

لا أُبالغُ أَبداً إِذا اعتبرتُ وصفَ المرجع الأَعلى للمكوِّن [السُّنِّي الكريم] بعبارةِ [أَنفسَنا] مثَّلَ أَعظم تسويةً تاريخيَّةً في تاريخ الْعِراقِ المعاصر على الأَقلِّ على الإطلاق وما دونَها خرطُ القتاد!.

فماذا كانت النَّتيجة؟!.

لقد تحوَّل [أَنفسَنا] الى حواضن دافئة للارهابِ الذي أَحرق الأَخضرَ واليابس، حتَّى كانت النَّتيجة ما لسنا بحاجةٍ الى التَّفصيل فيها لوضوحِها كوضوحِ الشَّمسِ في رابعةِ النَّهار!.

هذا يعني أَنَّ زمن التَّسويات التَّاريخيَّة قد ولَّى وإِلى الأَبد، ولذلك ينبغي التَّفكير بطُرُقٍ جديدةٍ لحلِّ مشاكلِنا وإِلّا فالتَّاريخُ سيُعيدُ نَفْسهُ بأَسوء حالاتهِ!.

طبعاً هذا لا يعني أَنَّ البديل هو الانتقام والعياذُ بالله أَبداً، فذلك ليس من شِيَم الضَّحايا، كما أَنَّهُ ليس من خُلُقِ العراقييِّن!.

كما أَنَّنا عندما نتحدَّث عن هذه الحقائِق فهذا نقصد التَّعميم أَبداً فمِن [أَنفسِنا] مَن وقف إِلى جانب الْعِراقِ الجديد مُدافعاً ومُنافحاً ومُضحِّياً! رافضاً الخِطابِ الطَّائفي التَّكفيري المتشدِّد منذُ اليوم الأَوَّل متبنِّياً الخِطابِ الوسطي العقلاني المُعتدل!.

إِلّا أَنَّنا هنا نتحدَّث عن خُلاصةِ القضيَّة والنَّتيجة النِّهائيَّة بغضِّ النَّظر عن التَّفاصيل!.

فالنَّتيجةُ تَقُولُ؛ أَنَّ المرجع الأَعلى أَطلق تسويةً تاريخيَّةً نادرةً لم يتعامل معها المعنيُّون بها بالحُسنى بل قابلوها بالنُّكران ولم يُجازوها بما أَمرنا به القرآن الكريم عندما قال {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.

ولم يكن إِحسانُ المرجع الأَعلى بهذه التَّسوية للمكوِّن المقصود أَبداً وإِنَّما لكلِّ العراقييِّن بل لكلِّ المنطقة والعالَم فهو لم يحدِّد بالعِبارة مجموعةً دون أُخرى!.

إِنّهُ أَطلقها لينزع فتيل الأَزمة الطَّائفية التي تدفع بها إِلى الواجهة أَنظمة رجعيَّة في المنطقة مُستفيدةً من التَّجييش الطَّائفي يقف على رأسِها نِظامُ القبيلةِ الفاسد الحاكم في الجزيرةِ العربيَّة!.

ويبدو لي من خلالِ قِراءةٍ دقيقةٍ لتاريخ الْعِراقِ المُعاصر أَن هذه السِّياسة لا تنفع كثيراً لحلِّ مُعضلةِ الْعِراقِ العويصة!.

لقد كتبَ الجنرال [هولدن] قائد القوَّات البريطانيَّة في العراق إِبَّان الاحتلال الأَوَّل خلال الحَرْبِ العالميَّة الأُولى [١٩١٤-١٩١٧] في الصَّفحة رقم [٣٣١] من كتابهِ المشهور [التمرُّد في بلادِ ما بين النَّهرَين] مشيراً إِلى المصدر الأَساس الذي اعتمد عليهِ لتدوينِ عدد ضحايا ثورة العشرين الوطنيَّة التحرريَّة بالقولِ [إِنَّهُ يستند بذلكَ إِلى سجلَّات الدَّفن في كربلاء والنَّجف]!.

ولو سُئِل الجنرال اليوم وبعد مرور [١٠٠] عامٍ على ثورة العشرين، أَي بعد قرنٍ كاملٍ من الزَّمن، عن عدد الضَّحايا في الحَرْبِ على الارْهابِ لاستندَ الى نَفْسِ المصدر لتدوينِ العدد [سجلَّات الدَّفن في كربلاء والنَّجف]!.

تأسيساً على ذلك أَقولُ وبضرسٍ قاطعٍ وبالفمِ المليان للمغفَّلين الذين يُغرِّدونَ خارج السِّرب بل خارج وعي التَّاريخ! فعادوا ينفخونَ في قِربةٍ مشروخةٍ ويتحدَّثون عن تسوياتٍ تاريخيَّةٍ ومُصالحةٍ وطنيَّةٍ تتزامن مع إِعلان النَّصر النَّاجز على الارهاب! أَقولُ؛

إِنَّ هذه السِّياسة لن تنفع لحلِّ المُشكلة الجذريَّة والحقيقيَّة والمعقَّدة، فالتَّسوية عادةً لا تتكرَّر في الزَّمن الواحد! فاذا تكرَّرت تَكُونُ عبثاً! تُعدُّ العُدَّة وتهيِّئ المناخ المُناسب لتكرارِ ظاهرة [سجلَّات الدَّفن في كربلاء والنَّجف]! ولذلك حذَّر ربُّ العزَّة من تكرار التَّسوية بقولهِ {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ}!.

إِنَّ كلَّ التَّسويات في العالَم وعِبر التَّاريخ حصلت مرّةً واحدةً فقط! إِلّا في الْعِراقِ فخلال (١٣) عامِ أَي منذُ التَّغيير ولحدِّ الآن شهِدنا عشرات المُصالحات والتَّسويات وقرارات العفو العام ومواثيق الشَّرف! والنَّتيجة؛ المزيدُ من العُنفِ والارهابِ والطَّائفيَّة والعُنصريَّة والمزيدُ من إِراقة الدِّماء والمزيدُ من إِنتهاك الأَعراض والمزيدُ من التَّدمير المُنظَّم لكلِّ شيءٍ والمزيدُ من الأَزمات السِّياسيَّة والأَمنيَّة والمجتمعيَّة وغير ذلك! والمزيدُ من الفسادِ والفشلِ!.

إِنَّ البديلَ لكلِّ ذلك هو تحمُّل المسؤوليَّة، فلا يُعقلُ أَبداً أَن يمرَّ كلَّ الذي حصلَ في الْعِراقِ خاصَّةً خلال السَّنوات الأَربع الأَخيرةِ مرورَ الكرامِ من دون أَن يتحمَّلَ أَحدٌ المسؤوليَّة فتُسجَّل المأساة بضخامتِها وعظمتِها وخطورتِها ضدَّ مجهولٍ ويُغلقُ الملفّ!.

إِنَّ التَّسويةَ والمسؤوليَّةَ متناقِضتان لا تجتمعان مهما امتدَّتا كالخَطَّين المتوازيَين!.

فجوهرُ التَّسوية، أَيَّة تسوية، هو تصفيرُ الأَزمات، كما نصَّت عليهِ التَّسوية المُقترحة، وأَن جوهر ذلك هو تصفيرُ المسؤوليَّة أَي إِسقاطها عن كلِّ الأَطراف المعنيَّة بها! وهذه هي النَّتيجة الطبيعيَّة التي خرجت بها كلُّ التَّسويات التَّاريخيَّة! كالتَّسوية التي أَطلقها رَسُولُ الله (ص) عندما دخل مكَّة المكرَّمة فاتحاً [سلميّاً] قائِلاً لقريش {إِذهبوا فأَنتُم الطُّلقاء} ليُسقط عنهم المسؤوليَّة، مسؤوليَّة كلِّ الحروب التي خاضوها وفرضُوها على المسلمين خلال [١٣] عامٍ! ولكن في نَفْسِ الوقت كانَ هناكَ غالِبٌ ومغلوبٌ! كما هو حال التَّسوية التَّاريخيَّة التي أَطلقها الزَّعيم الأَفريقي نيلسون مانديلّا!.

لذلك، فانَّ من يُحاولُ إِقناعنا بأَنَّ تسويتهُ لا تعني تصفير المسؤوليَّة فانَّما يضحكُ على ذقنهِ! فماذا تعني التَّسويات وتصفير الأَزمات، إِذن، إِذا لم يكن المقصود منها ونتيجتها تصفير المسؤوليَّة وإِسقاطها عن الجميع!.

دلُّوني على تسويةٍ وَاحِدَةٍ حصلت في العالَم القديم والحديث لم تكن نتيجتها تصفيرُ المسؤوليَّة لأُصدِّقَ كذبتكُم!.

وإِنَّ أَغرب ما نصَّت عليهِ تسويتهُ التَّاريخيَّة العار والمشبوهة التي عدَّها كثيرون بمثابةِ مَشروعِ خيانةٍ جديدٍ للعراق، هو أَنَّها لا تشمل الارهابيِّين والبعثيِّين والقتلة والمجرمين والتكفيريِّين ومَن صدرت بحقِّهم أَحكاماً قضائيَّة بتُهم الارهاب وأَمثالهم! وهو أَمرٌ مفهومٌ وطبيعيٌّ جدّاً لا يُجادلُ فيه إِثنان!.

فمَن المشمولين بها إِذن؟!.

يُشيرُ النصُّ إِليهم بالعبارةِ [كافَّة الأَطراف السِّياسيَّة] يعني كلَّ الذين خلفوا نِظامَ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين في السُّلطة!.

السُّؤال هُنا؛

إِذا كانوا هم المسؤولونَ عن كلِّ الذي حصلَ في السَّنوات الأَربع الأَخيرةِ تحديداً! فعلى أَيِّ أَساسٍ نُسقط عنهم المسؤوليَّة لنُصفِّر الأَزمات؟!.

وإِذا لم يكونوا همُ المسؤُولونَ عن ذلك فما معنى التَّسوية والمُصالحة فيما بينهِم ومع بعضهِم البعض الآخر؟!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here