الكهرباء، يا رئيس مجلس الوزراء

محمد رضا عباس
والعراق يطوي صفحة داعش وخلافته المزعومة و فتح صفحة جديدة من الاعمار والبناء , أقول لا يمكن ان تجري تنمية اقتصادية حقيقية تنقل العراق من مرحلة غفوته الحالية الى مرحلة الاستيقاظ والنشاط بدون توفر الطاقة الكهربائية . الطاقة الكهربائية المتوفرة في العراق لا تكفي الطلب , و مهما ما قامت مؤسسة الكهرباء من إجراءات لتوفيرها. الطاقة الكهربائية المتوفرة لا تساوي الطلب والدليل على ذلك هو كثرة شكاوى المواطنين من انقطاع التيار الكهربائي في هذا الصيف اللاهب. وحتى لو وفرت مؤسسة الكهرباء الطاقة الكهربائية لمحافظة معينة على مدار اليوم , فان هذه الوفرة , بالضرورة, ستكون على حساب محافظة أخرى.
الاقتصاد العراقي حاليا يعيش مرحلة العشرينيات من القرن الماضي , بسبب الانقطاعات في الطاقة الكهربائية واليك السبب . من يدير فندق في مدينة معينة لا يستطيع التوسع واضافة فرص عمل جديدة الى عمله لعدم وفرة الكهرباء، صاحب المطعم لا يستطع التوسع واضافة عمال جدد بسبب قلة الطاقة الكهربائية , معامل الخياطة لا يمكنها الاستمرار في العمل ثمان ساعات بدون انقطاعات كهربائية , و معمل السباكة و النجارة لا يمكنها التوسع في الإنتاج بدلا من استيراد ها من الخارج . ان عدم توفر الطاقة الكهربائية ليس فقط تعطل التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل , وانما تؤدي الى تخلف البلد المستقبلي . توفر الطاقة الكهرباء يغير كل شيء. توفر الطاقة يؤدي زيادة ساعات العمل , زيادة في إنتاجية البلد , زيادة في الطاقة الإنتاجية , و تؤدي الى زيادة الطلب على الايدي العاملة.
توفر الطاقة الكهربائية تعطي الفرصة لظهور صناعات جديدة لم تتوفر في البلد من قبل. على سبيل المثال , توفر الطاقة الكهربائية سوف يشجع الاستثمار في مصانع الصلب والحديد والالمنيوم ومعامل البتروكيمياويات والأجهزة الكهربائية . وبالمقابل فان توفر مثل هذه الصناعات سوف يؤدي الى زيادة الطلب على البنى التحتية مثل الطرق العامة , الماء الصالح للشرب , المستشفيات , انترنيت بدون انقطاع , و شبكة مجاري متقدمة. توفر الطاقة سوف يحرر المرأة من المطبخ ومنحها الوقت الكافي لرعاية زوجها واطفالها وذلك عن طريق توفر الطباخ الكهربائي , الميكروويف , الثلاجات والمبردات , الغسالات وتجفيف الملابس , والتلفزيون . الكهرباء كان السبب في اكتشاف أجهزة , كانت لا احد يفكر فيها على الاطلاق مثل الراديو , التلفزيون , الكمبيوتر , الثلاجة , و الأجهزة الطبية التي حمت البشر من الموت والاندثار.
احد أسباب اعتماد المواطن العراقي على استيراد الماء الصالح للشرب والطماطة و ملابس الأطفال وحتى الشماغ على الرؤوس , هو بسبب الانقطاع المتكرر للطاقة الكهربائية . ان الانقطاعات الكهربائية المتكررة تضيف كلفة إضافية على الإنتاج وبدلا من انتاج بضاعة معينة بألف دينار , يصبح سعرها بألفين دينار وبذلك لا تستطيع الوقوف امام السلع المستوردة. لهذا السبب يفضل المواطن العراقي شراء السلعة المستوردة بدلا من الإنتاج الوطني , ولهذا السبب اقفل الالاف من المنتجين العراقيين معاملهم وانقلبوا من منتجين الى مستوردين او اختيارهم بلدا اخر مكان لأعمالهم . وعليه , فان من العدل والانصاف ان نحمل مؤسسة الكهرباء الوطنية مسؤولية البطالة الكثيرة بين الشباب العراقي ولاسيما بين حملة الشهادات الجامعية .
توفر الطاقة الكهربائية له تأثير اخر , وهو برنامج اعمار البلاد وتوفير السكن للمواطنين. العراق في حاجة ماسة الى 3.5 مليون وحدة سكنية , واذا بدأ العراق في برنامج البناء هذا , فان العراق سوف يقضي على البطالة في العراق ويحوله الى بلد مستورد للأيدي العاملة . الا ان عدم توفر الطاقة الكهربائية سوف لن يسمح للتوسع في هذا البرنامج , حيث من غير المعقول بناء مجمع سكني بدون توفر الطاقة الكهربائية . وبذلك نستطيع القول ان توفير الطاقة الكهربائية يعد المفتاح الى أي برنامج معقول للتنمية. بدون كهرباء لا تنمية اقتصادية قادرة على استيعاب الشباب , في بلد يزداد سكانه بما يقارب المليون سنويا.
لقد ذكرت أعلاه , ان حال الاقتصاد الوطني حاليا يشبه حاله في فترة العشرينيات من القرن الماضي , حيث لا يستطيع مستثمر او رب عمل التوسع بسبب الانقطاعات المتكررة في الطاقة الكهربائية , وهي حالة شبيه لحال الاقتصاد الأمريكي عام 1890 , قبل اكتشاف الطاقة الكهربائية . ولكن حال اكتشاف تومس أديسون المصباح وبعدها التيار الكهربائي تحولت أمريكا من دولة عادية الى دولة تقود العالم في كل شيء. اشدد على القول ان توفير الطاقة الكهربائية هي المفتاح الى أي تنمية اقتصادية معقولة ومسؤولة وقادرة على القضاء على البطالة المزمنة في العراق. وفي هذه المناسبة والعراق يحتفل بأسبوع النصر , يمكن ان اضيف ان توفر الطاقة الكهربائية سوف تكون عاملا حاسما على القضاء على المجاميع الإرهابية , لان الكثير من هؤلاء المجرمين قد تورطوا في العمليات الاجرامية بسبب قلة فرص العمل , او بكلام اخر الفقر والحاجة هي التي قادتهم الى الانحراف وقتل المواطنين الأبرياء.
وحتى اعطي الموضوع حقه , أقول ان توفر الطاقة الكهربائية سوف لن تكون النهاية ويعيش البلد في تقدم وازدهار اقتصاديا . على سبيل المثال , مع توفر الطاقة الكهربائية في الدول المتقدمة , ما زالت هناك اعمال يضطر أصحابها الى غلق أبوابها . السبب هو عدم قبولهم التغيير، انهم لم يستطيعوا الاستفادة من فوائد التكنلوجيا الحديثة. كوكول , فيسبوك , ابل , أمازون , مايكروسوفت و IBM أصبحت توفر أنواع متعددة من الخدمات ومن يتخلف عنها , يضطر الى الخسارة وترك العمل . الصناعات والاعمال تدخل في منافسة شديدة تصل الى قطع الحناجر , ولا يستطع احد من المنتجين الوقوف على قدميه الا عندما يقدم سلعة عالية الجودة وبأسعار تنافسية معقولة .
لا أتوقع ان يصل العراق الى هذه المرحلة في القريب العاجل , ربما يحتاج الى 25 عاما قبل الدخول الى هذا المجال , مجال استخدام التكنلوجيا المتقدمة , ولكن توفر الطاقة الكهربائية بأقرب فرصة ممكنة هي البداية الصحيحة لطرق باب التقدم الاقتصادي وتقليل الاعتماد على المصادر النفطية . العراق يحتاج الى حل مشكلة الطاقة الكهربائية المتقطعة وتوفير الوحدات السكنية للمواطنين , وبدون هاذين الشرطين , سيبقى الشباب بدون عمل والاقتصاد متخلف , واستمرار الاضطرابات الأمنية والسياسية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here