ما بعد الموصل

كنا شهوداً على النصر الذي تحقق بجهود البواسل للجيش والقوات المسلحة وفصائل الحشد الشعبي  ، وكنا مستبشرين بولادة يوم جديد وعهد جديد وحياة جديدة ستنمو وتتطور مع الأيام ، وستظل البشرى معنا حتى طرد أخر داعشي نجس من أرض العراق الطاهرة ، والحديث عن النصر طويل طويل والحديث لما بعد النصر طويل طويل كذلك جداً ، فبعد التحرير هناك ثمة أسئلة وهناك ثمة أشياء تدور حولنا ومعنا ، فنسأل أنفسنا ويسأل غيرنا ، وماذا بعد ؟ وهل إن نهاية عسكر داعش هو نهاية للمحنة ؟ أم إن هناك ما يجب الإنتهاء منه ليتم النصر الناجز ؟ ، ليس من شك إن نيران الفتنة لم تخمد بعد رغم كل تلك الدماء العزيزة ورغم كل تلك التضحيات الجسام ، ولا نستطيع نحن ولا غيرنا أن يعطي لكل ذلك حقه ، لكن الذي نقوله والذي قلناه : إن هذه الدماء الطاهرة كانت من أجل أن يكون العراق حراً عزيزاً مُهاباً غير منقوص السيادة ، صحيح إن الكارثة كانت بفعل فاعل  قد  هيجه الغرور والحقد ونقص الخبرة فكان  سبب البلوى وسبب الإنتكاسة ، وفي هذا كانوا  شركاء مع سياسيين ورجال دين وبعض من شيوخ العشائر المغرر بهم الذين هاجوا وماجوا في لحظة كان البناء لازال على أوله وفي بدايته ، أذكرهم جيداً وتذكرونهم كذلك كانوا أشر من داعش وأسوء .
وهنا أسأل : أيصح بعد هذا إدماجهم في العمل السياسي وفتح الطريق لهم ليكونوا شركاء عمل وبناء للدولة المستقبلية ؟ أم إن الضمير والعقل العراقي يقول : لا يلدغ المرء من جحر مرتين ؟ وأليس من المفيد أن يتركوا الناس بحالهم ويحترموا أنفسهم فليس هناك ثمة متسع ؟ بعد كل هذا الخراب والدمار !! ،   يبدو أن صوت كل العراقيين يريد ذلك ويريد ان تكون السياسة القادمة فيها قدر من الشرف مقبول ، وفيها قدر من النزاهة مقبولة ، وفيها من نكران الذات والشعور بالمسؤولية الشيء الكثير ، وهذه إرادة و طلب وأمنية ورغبة نقرئها في عيون الأمهات وفي عيون الرجال والأطفال ، ولأنها كذلك فهو منا كلام نوجهه لشرفاء العراق ، ولمن ضحوا منهم وحاربوا بشرف نحثهم ونشجعهم ونشد على أيديهم ، أن يتكاتفوا في اللحظات العصيبة لكي لا تذهب جهودهم  هباءاً ، فالعراق وكما كان في المعركة أمانة في أعناقكم ، هو اليوم أشد إحتياجاً لتكونوا معه وهو يجتاز الأزمة بروح عالية ، لكي تنقذوه من المتهورين والموتورين والفاسدين والراغبين بتضييع فرصة النصر في الجدل الخاوي .
ولا ضير عندي أن تعطلت بعض أشراط الديمقراطية ، فثمة ماهو أهم وأولى من الناحية الوطنية ، والكلام هنا عن القانون وتطبيق القانون ، الذي يجب أن يطبق بصرامة ومن غير تردد أو حسابات كانت وبالاً ولازالت ، فالقانون يعني الأمن ويعني النظام ويعني محاربة الفساد والواسطة والرشوة والمحاباة ، والقانون يعني حماية عوائل الشهداء والمجروحين وتوفير فرص العمل لهم ليندمجوا في الحياة ، والقانون يعني تطبيق آليات الضمان الإجتماعي والصحي للشعب كافة وبدقة ، والقانون يعني محاسبة المفسدين والسراق ممن يبددون الثروة العراقية هنا وهناك ، ومثال ذلك هو توزيع رواتب تقاعدية على المغتربين والمهاجرين في أمريكا وأوربا وأستراليا  ، مع إنهم محميين ولهم عمل وراتب وحياة مستقرة ، لكنه الفساد الذي سن قانون الهدف منه ترضية البعض في الخارج لكسب ولائهم لا غير مع إنهم ليسوا عراقيين هم مهاجرين ولن يعودوا !!!! ، وأقصد تلك الرواتب التي تعطى للمهاجرين في الخارج أو ممن شاركوا بإنتفاضة 1991 من القرن الماضي .
وتعلمون أيها السادة هذه سرقة واضحة للعيان للمال والجهد العراقي ، وهناك أناس كثر في العراق أحوج مايكونون لهذا المال ولهذه العطايا ، فالقانون يعني إلغاء هذا العبث بالمال العام ، ولا يجب حساب العراقي كمرتزق في جهاده ونضاله ، فليس بالمال يكون موالياً أو نصيراً ، فمن يحب العراق فلا يجب ان نغريه بالمال ولا بقطع الأراضي فهناك حقوق وهناك واجبات وعلى الجميع دراسة ذلك حسب القانون ، وليس بالواسطة وبالغش وبالكذب وبتزييف الحقايق .

ما بعد الموصل بالنسبة للعراقيين هي فرصة للقضاء على كل من سبب أو ساعد أو مول هذا الإرهاب ، وتلك ليس فيها أنصاف حلول بل هو حل واحد ، وبالقانون لكن ليس القانون الهش الضعيف المُرائي ، ما بعد الموصل تركة ثقيلة من آثار الحرب يجب محوها من خلال الفكر الجديد والثقافة الجديدة ، والإعتماد على الشباب والشابات والطاقات الجديدة ، فخارطة الماضي ولدت وأنتجت كل هذا العفن الذي كلف العراقيين بحر من الدماء والأرواح الغالية ، وأنا أثق إن العالم يتفهم اليوم أكثر هذه المطالب ، وهو عاكف معنا على تحديد روح المستقبل وبهمة العراقيين ، فمن كان حريصاً على العراق الجديد فليركب معنا بالسفينة التي ستجري في موج كالجبال ، لا يتحمله إلاَّ ذوي النفوس الكبيرة والهامات الشامخة ، ولا يندبن بعد اليوم أحد حظه حين يجد نفسه خارج السفينة أو في البحر عارياً من غير منقذ ولا ومعين .

ما بعد الموصل يجب إخراج العراق من جو الشحن الطائفي الذي يتبناه رجال دين متخلفين ، ما بعد الموصل هناك فرصة لنبذ الدين السياسي وتطوير الدين الإجتماعي ، ، والإنفتاح على الجميع وحساب الجميع من فئة العراقيين لا غير ، ما بعد الموصل يجب ان تسود الموضوعية في أحكامنا ورؤانا فليس هناك  خطأ مطلق وصواب مطلق ، وليتجمع الجميع حول الوطنية من أجل البناء والإعمار ، وتجهيز الناس بثقافة مدنية متحررة قادرة على التعايش مع العالم ، وفي ذلك الكل شركاء ، ولنهتدي بالقول المأثور – خير الناس من نفع الناس – ..

راغب الركابي  

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here